هكذا يبتز التقنوقراط الدولة

هكذا يبتز التقنوقراط الدولة

المغرب اليوم -

هكذا يبتز التقنوقراط الدولة

توفيق بو عشرين

التحقيق الذي أنجزه زميلنا يونس مسكين في عدد الخميس الماضي حول خريطة الوزيعة التي تركها وراءه وزير النقل والتجهيز، كريم غلاب، وكتيبة الاستقلاليين الذين كانوا محيطين به، تحقيق يستحق القراءة وإعادة القراءة عن نموذج من نماذج الريع في الإدارة المغربية، وعن الطرق الملتوية وغير القانونية التي ينهجها الوزراء وكبار المديرين من أجل الاغتناء السريع على ظهر الدولة، وهذه المرة عن طريق جمعية الأعمال الاجتماعية التي وضعها المشرع كـ«ميكانيزم» اجتماعي لمساعدة موظفي الإدارة، وليس دجاجة تبيض ذهبا للوزراء والكتاب العامين وكبار المديرين وأعضاء الدواوين. السيد غلاب استفاد من عدة مشاريع سكنية، وبقعة أرضية تصل مساحتها إلى 781 مترا مربعا على واجهة البحر في البيضاء مقابل 86 مليون سنتيم، أي بثمن لا يزيد على 1200 درهم للمتر المربع، في حين أن تقرير المفتشية العامة للمالية يقول إن الثمن الحقيقي لهذه الأرض وقت اقتنائها يساوي 10 آلاف درهم على الأقل للمتر المربع، أي بحساب صغير فإن «الموسيو» غلاب ربح حوالي 700 مليون سنتيم في هذه الصفقة لوحدها. هل هذا عمل اجتماعي؟ هل هذه هي الفلسفة الذي وضعت لأجلها جمعية الأعمال الاجتماعية التي تقوم بجرد كل سنة لممتلكات الوزارة، فتعمد إلى بيعها بثمن التراب إلى الأعمال الاجتماعية لتنتهي في جيوب الكبار؟

هذا ليس كلامنا ولا اتهامات الوزارة الحالية. هذا تقرير أعدته المفتشية العامة للمالية، المعروفة بصرامتها وكفاءتها، وفيه وقفت على غرائب وعجائب، وعلى قروض أخذت ولم ترد، وعلى استفادة ولاة وعمال ورجال سلطة من مشاريع الأعمال الاجتماعية لوزارة النقل والتجهيز، في حين أن الموظفين الصغار لا يستفيدون حتى من الفتات.. يسمعون فقط عن الأعمال الاجتماعية ولا يرونها لأنها أصبحت آلة لإنتاج الثروة للمديرين الكبار.

ولأننا نقوم بعملنا المهني على الوجه المطلوب، أعطينا الكلمة لأحد المقربين من غلاب ليقول كلمته في تقرير «igf»، ولأنه واحد من المستفيدين، فقد فضل عدم ذكر اسمه، ونحن نحترم إرادته، لكن، ماذا قال؟ «إن المستفيدين من مشاريع الأعمال الاجتماعية أطر كبيرة في الدولة، وهم أشخاص لهم تكوين عالٍ، والإدارة محتاجة إليهم، ولأن أعلى أجر في الإدارة هو 30 ألف درهم في الشهر، ولأن هؤلاء المهندسين يستطيعون أن يحصلوا على أضعاف هذه الأجرة في القطاع الخاص، فإن الدولة تمنحهم تسهيلات وخدمات اجتماعية ومساكن كوسيلة لإبقائهم إلى جانب الدولة». وأضاف المصدر ذاته، في تبرير هذا الريع، بالقول: «كل هذا كان يتم بتوجيه من الملك الراحل الحسن الثاني، وبإشراف من مستشاره الراحل مزيان بلفقيه، والغرض هو استقطاب الكفاءات والمهندسين إلى الإدارة، فنظام البريمات الموجود في وزارة المالية غير موجود في التجهيز والنقل، ولهذا فإن الخدمات الاجتماعية التي يحصل عليها الأُطر وظيفتها الإبقاء على هؤلاء في الوزارة.. .«c’est comme ça 

هل عرفتم الآن كيف يفكر تقنوقراط الإدارة المغربية؟ وكيف يبررون الريع الذي يحصلون عليه؟ وكيف يبتزون الدولة مقابل البقاء ضمن أسلاكها؟ وكيف يبيعون «شبابهم غاليا» لدافعي الضرائب؟ وكيف يخلطون بين منطق العمل في القطاع العام، الذي يتسم بالأمان والاستقرار وحتى شرف الخدمة، ومنطق العمل في القطاع الخاص الذي تطبعه المخاطرة وعدم الاستقرار، ومن ثم تأتي أجوره العليا مع مخاطره الكبرى؟

أوردت هذا التبرير لأنه هو القاعدة في الإدارة والمؤسسات العمومية، وهو الإيديولوجيا التي تدفع الأُطر الكبيرة إلى الاغتناء غير المشروع من مواقعها، لكن ما هو خطير في هذا الكلام هو رمي الكرة إلى الملك الراحل الحسن الثاني ومستشاره الراحل مزيان بلفقيه، ولأن الموتى لا يروون القصص، كما يقول المثل الإنجليزي، فإن مصدرنا يلقي عليهما بالمسؤولية. طيب، إذا كان هذا توجها في الدولة، فلماذا لا تكتبوه في قانون وتضعوه في البرلمان، وتطبقوه «بالعلالي»، وقولوا للمغاربة إن الأُطر الكبيرة والوزراء والكتاب العامين يمكن أن يحصلوا على أرض قيمتها الحقيقية 800 مليون سنتيم مقابل 86 مليون سنتيم، وإن الأُطر الكفأة هذه تستحق أن تضع 700 مليون في جيبها حتى لا تهرب إلى القطاع الخاص، وكأن هؤلاء جميعا من فصيلة بيل غيتس أو ستيف جوبز… يجب أن يبقى شيء من الحياء حتى في الأعمال القذرة وشغل قطاع الطرق. 

كالعادة، وزارة العدل والحريات بقيت مكتوفة الأيدي منذ وصل إليها التقرير قبل أكثر من سنة، ولم تتحرك لأن المعارضة نجحت في تركيب عقدة لوزير العدل والحريات اسمها: «توظيف القضاء لتصفية الخصوم»، وكأن الوزير هو الذي يشرف على التحقيق، وهو الذي يوجه أعمال المجلس الأعلى للحسابات وعمل المفتشية العامة للمالية وتحقيقات النيابة العامة والشرطة القضائية! لقد سقطنا في ورطة إنكار العدالة بتوافق الجميع، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وعندما ترفع الصحافة صوتها بالحقيقة الموثقة يجتمعون عليها وتتفرق دماؤها بين القبائل، حتى يبقى الصمت سيد الموقف. 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هكذا يبتز التقنوقراط الدولة هكذا يبتز التقنوقراط الدولة



GMT 14:23 2020 الأحد ,05 تموز / يوليو

بعض شعر العرب - ٢

GMT 08:03 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

وعادت الحياة «الجديدة»

GMT 07:58 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

المغامرة الشجاعة لمصطفى الكاظمي

GMT 07:54 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

لى هامش رحلة د. أبوالغار

GMT 07:51 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

«28 مليون قطعة سلاح»

GMT 07:48 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

الفيس.. والكتاب!

GMT 10:48 2020 السبت ,27 حزيران / يونيو

الأطباء ورئيس الوزراء

GMT 10:46 2020 السبت ,27 حزيران / يونيو

وداعًا للشيشة!

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 08:36 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

سيخيب ظنّك أكثر من مرّة بسبب شخص قريب منك

GMT 17:16 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

تكبير الأرداف من دون عملية

GMT 19:26 2017 السبت ,16 أيلول / سبتمبر

"إلعب إلعب" أغنية سناء محمد الجديدة على يوتيوب

GMT 03:38 2019 الخميس ,30 أيار / مايو

6 علامات تُشير إلى مشاكل في الغدة الدرقية
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya