كرستين لاغارد تنعى الطبقة الوسطى بالمغرب

كرستين لاغارد تنعى الطبقة الوسطى بالمغرب

المغرب اليوم -

كرستين لاغارد تنعى الطبقة الوسطى بالمغرب

بقلم :‎توفيق بوعشرين

كرستين لاغارد، رئيسة صندوق النقد الدولي، فرنسية ووزيرة سابقة في حكومة ساركوزي، وهي، إذن، تعرف المغرب جيدا
وعندما تقول إن «الطبقة الوسطى في المملكة الشريفة تضعف يوما بعد آخر، وإن ثمار النمو لا تصل إلى الجميع، وإن هذا الاختلال أمر خطير ويهدد بقيام ثورات وانتفاضات»، فيجب على الحكومة وعلى أقطاب الدولة أن يفكروا في كلامها جيدا. إنها ليست نائبة معارضة في البرلمان، ولا صحافية مزعجة، ولا ناشطة يسارية راديكالية.. إنها على رأس مؤسسة دولية كبيرة ترسم التوجهات المالية الكبرى، وخصوصا في دول الجنوب المدينة لصندوق النقد الدولي بالمليارات من الدولارات.
الطبقة الوسطى في المغرب وكل الدول، كبيرها وصغيرها، هي عماد الاستقرار، ومحرك النمو، وحقل تنمو فيه قيم الديمقراطية والعقلانية والانفتاح والاعتدال والابتكار...
كلما اتسعت قاعدة هذه الطبقة الطموحة إلا وتعزز الاستقرار ونجحت الديمقراطية وانتعش الاقتصاد واتسع السوق الداخلي، وكلما تقلصت قاعدة هذه الطبقة اتسعت عوامل اللااستقرار والثورة والانتفاضات، ومعها يطل الاستبداد برأسه، ثم يقابل الاستبداد التطرف السياسي والديني والعرقي من قبل المعارضة...
لا أحد، من قمة هرم الدولة إلى أسفلها في المغرب، يعارض فكرة توسيع الطبقة الوسطى، ولا أحد يخرج صراحة ليدافع عن بنية اجتماعية فيها أغنياء في قمة الهرم وجيوش من الفقراء في القاعدة والسلام! لكن، في المقابل، لا أحد لديه الإرادة والسياسة والبرنامج لإنعاش هذه الطبقة الوسطى، ووضع سياسات عمومية تسمح باتساعها وإنعاشها، لأنها تضعف يوما بعد آخر لأسباب عديدة نذكر هنا بعضها.
البطالة.. لنتصور عائلة من أب وأم لديهما ثلاثة أطفال، ودخلهما 12 ألف درهم، وعلى مدار 24 سنة وهما يصرفان على تعليم الأبناء في القطاع الخاص أو العام، ثم في الأخير لا يجد هؤلاء الأبناء أي فرصة لدخول سوق الشغل لأسباب عديدة، أحدها عدم ملاءمة برامج التعليم مع حاجيات الشغل، وضعف مردودية المدرسة العمومية. يستمر الأبناء عالة على أسرهم، ولهذا السبب تنزل هذه العائلة من الفئة الوسطى إلى الطبقة الفقيرة، وفي مقابلها عائلة في البادية أو المدينة تختار منذ البداية ألا تصرف درهما واحدا على تعليم الأبناء، وتتركهم لحرف يدوية صغيرة منذ نعومة أظافرهم. ماذا يقع؟ العائلة الثانية لا تخسر في تعليم الأبناء، أما الأولى التي تراهن على التعليم كرافعة اجتماعية يخيب رجاؤها لأن «لاسنسور» تعطل في المغرب منذ سنوات. ترك المدرسة العمومية غارقة في أزمتها هو أكبر ضربة للطبقة الوسطى في المغرب. الفقراء يلدون فقراء، والمصعد الاجتماعي معطل إلى إشعار آخر.
إليكم مثلا آخر من القطاع الخاص هذه المرة.. الأبناك لا تعطي قروضا للمقاولات الصغيرة والمتوسطة في ظل سياسة احترازية كبيرة، وتفضل التعامل مع الشركات الكبرى، أو الشركات التي لها واسطة سياسية من العاصمة، حتى وإن كانت مشاريعها واستثماراتها محفوفة بمخاطر كبيرة. عندما تفلت المقاولة الصغيرة من حكم إعدام الأبناك يواجهها فساد الإدارة والجماعات المحلية التي تتلاعب في الصفقات العمومية، وعندما تنجح المقاولة الصغيرة والمتوسطة في القفز فوق هذه العراقيل، تواجه بطء القضاء وفساده عندما تقف أمامه، وإذا نجاها الله من هذا القضاء تواجه لائحة طويلة من الضرائب المستحقة وغير المستحقة. كيف يمكن للمقاولة أن تلد طبقة وسطى في هذا الجو؟ إن البيئة المغربية غير مساعدة بتاتا للمقاولات الصغرى والمتوسطة، ولهذا فإن جلها يشتغل في «النوار» لأن الاشتغال داخل القانون في غياب روح القانون والتنافس الشريف والشفافية والحكامة يجعل العملية أشبه بالانتحار...
لماذا تخاف الدولة الطبقة الوسطى واتساعها؟
هذا سؤال حساس وخطير، وهو يتصل بخصائص هذه الطبقة التي تتعاطى أكثر للسياسة، وتطمح إلى المشاركة، وتسعى إلى الانفتاح على العصر، وتجتهد لكي تربح أكثر وتعيش أفضل، وكل هذا غير ممكن في نظام سلطوي يفتقر إلى الحكامة ومقومات دولة الحق والقانون، ويعتمد التحكم في التطور والحد من الحريات الفردية والجماعية.
الأغنياء قلة قليلة في كل المجتمعات، ولهذا فإن السلطة تستطيع أن تتفاهم معهم تحت الشعار الذي كان يردده الحسن الثاني رحمه الله: «جمعو الفلوس وسدو فمكم»، والفئات الفقيرة مشغولة طول الوقت بإشباع بطنها والركود خلف لقمة العيش، ولا وقت ولا وعي لديها للتفكير في المشاركة السياسية ولا لتطوير النظام السياسي والاقتصادي، خاصة في ظل ضعف النقابات وترهل أحزاب اليسار، أما الفئات الوسطى فإنها متعبة للنظام ومكلفة، ومطالبها لا تقل عن مطالب كل الفئات في المجتمعات المتحضرة، إذن الدولة أمام حلين: إما أن تكيف بنيتها مع مطالب هذه الفئة الحرجة في المجتمع، وإما أن تضعفها وتقضي عليها حتى لا تفكر في الوقوف في وجهها. الدولة اختارت الحل الثاني، والذي يريد الدليل على هذا القرار عليه أن يتطلع إلى عينة من هذه الفئة (رجال ونساء التعليم) الذين كانوا في الستينات والسبعينات من الطبقة الوسطى، وصار أغلبهم اليوم من الطبقة الفقيرة أو القريبة من الفقر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كرستين لاغارد تنعى الطبقة الوسطى بالمغرب كرستين لاغارد تنعى الطبقة الوسطى بالمغرب



GMT 14:23 2020 الأحد ,05 تموز / يوليو

بعض شعر العرب - ٢

GMT 08:03 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

وعادت الحياة «الجديدة»

GMT 07:58 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

المغامرة الشجاعة لمصطفى الكاظمي

GMT 07:54 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

لى هامش رحلة د. أبوالغار

GMT 07:51 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

«28 مليون قطعة سلاح»

GMT 07:48 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

الفيس.. والكتاب!

GMT 10:48 2020 السبت ,27 حزيران / يونيو

الأطباء ورئيس الوزراء

GMT 10:46 2020 السبت ,27 حزيران / يونيو

وداعًا للشيشة!

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:14 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

محاضرة بتعاوني جنوب حائل السبت

GMT 23:59 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مواهب صغيرة تُشارك في الموسم الثاني لـ "the Voice Kids"

GMT 18:15 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيونسيه تسحر الحضور بـ"ذيل الحصان" وفستان رائع

GMT 22:17 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

جمارك "باب مليلية" تحبط عشر عمليات لتهريب السلع

GMT 02:20 2015 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

أصغر لاجئة في "الزعتري" تجذب أنظار العالم لقسوة معيشته

GMT 01:31 2016 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مريهان حسين تنتظر عرض "السبع بنات" و"الأب الروحي"

GMT 02:54 2016 الخميس ,08 كانون الأول / ديسمبر

مي عمر سعيدة بالتمثيل أمام الزعيم عادل إمام

GMT 18:21 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلة فوز الوداد.. الرياضة ليست منتجة للفرح فقط
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya