قليلون يتجرؤون على قول ما يقوله الملك عبدالله الثاني. لا يكتفي العاهل الأردني بالتأكيد أنّ هناك مسؤوليات يتحملّها المسلمون، ودورا عليهم أن يلعبوه في الحرب على الإرهاب والتطرّف بكلّ أشكالهما. يذهب العاهل الأردني إلى أبعد من ذلك برسم خريطة طريق من سبع نقاط للانتصار في هذه الحرب.
لم يتردّد عبدالله الثاني في القول من منبر الأمم المتحدة إن الحرب على الإرهاب و”الخوارج” هي “حربنا كمسلمين، وهذا واجبنا”. أراد القول أنّه يجب أن لا يكون هناك تهرّب من تحمّل المسؤوليات تحت أي ذريعة، لا عربيا ولا إسلاميا.
يفترض ممّن يريد محاربة الإرهاب فعلا أن يبدأ بنفسه. هذا ما يؤكده العاهل الأردني الذي يبدأ خطابه بالاعتراف بأنّ “مستقبل هذا العالم، كما نتطلع إليه جميعا، يتعرّض لتهديد خطير من الخوارج، أولئك الخارجين عن الإسلام وقيمه الإنسانية النبيلة، والذين وصل بهم الأمر اليوم إلى تهديد المجتمع الدولي بأسره”.
تتضمن خريطة الطريق التي رسمها عبدالله الثاني للذين يريدون، بالفعل، مواجهة “داعش” وإخوانه وأخواته، كما يفعل الأردن، “العودة إلى الأصول” أوّلا. أي إلى “الجوهر والروح المشتركة بين الأديان وبين معتقداتنا”. تدعو النقطة الثانية في خريطة الطريق التي رسمها خطاب عبدالله الثاني إلى أن “نغيّر لهجة خطابنا”. أشار هنا إلى أنّه لاحظ في إحدى جولاته الأخيرة لافتة على جانب الطريق كتب عليها “خافوا الله”، ثم عبارات مماثلة أخرى، وصولا إلى عبارة “أو الجحيم هو المأوى”. تساءل العاهل الأردني أمام هذا المشهد “متى وكيف تسلّل الترهيب إلى خطابنا بدل محبّة الله؟”.
تطرقت النقطة الثالثة في خريطة الطريق الأردنية إلى “ترجمة معتقداتنا إلى أفعال”، والرابعة إلى “الاعتدال”، والخامسة إلى “كشف الزيف والخداع على حقيقتهما”. قال عبدالله الثاني في هذا المجال “عندما ننظر إلى دوافع هؤلاء الخوارج، الخارجين عن الإسلام، بل إلى دوافع المتطرّفين في جميع أنحاء العالم، نجد أنّ شهوة السلطة والسيطرة على الناس والأموال والأرض هي محرّكهم”.
تبرز من خلال النقطة السادسة فكرة التسامح. والتسامح يعني تحمّل القادة لمسؤولياتهم و”اتخاذ موقف واضح وعلني من التطرّف، مهما كان نوعه أو شكله. وهذا يشمل احترام جميع أماكن العبادة من مسجد أو كنيسة أو كنيس”. هذا حفيد رسول الله يدعو إلى احترام أماكن العبادة ذاكرا الكنيسة والكنيس.
لم ينس العاهل الأردني القدس، من منطلق أنّ “لا مكان أهمّ وأكثر تأثيرا لتجسيد هذا الاحترام والتعايش من مدينة القدس، حيث الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية واجب مقدّس. وهنا نضمّ صوتنا إلى المسلمين والمسيحيين في كلّ مكان رافضين التهديدات التي تتعرّض لها الأماكن المقدّسة والهوية العربية لهذه المدينة”.
على من يريد المشاركة في الحرب على الإرهاب، وأن يكون فعّالا في الوقت ذاته، مواجهة التطرّف على كلّ المستويات. لذلك، ركّز عبدالله الثاني في النقطة السابعة والأخيرة من خريطة الطريق على “التواصل”. وهذا يعني بطبيعة الحال مواكبة التطوّر الذي تشهده شبكة التواصل الإلكتروني، أي الإنترنت. هناك الآن “الإنترنت الإنسانية” التي تمثّل “أعلى درجات التواصل الذي يوحّد ضمائرنا ويجمعنا على قضيّة واحدة”. حذّر العاهل الأردني في الأمم المتحدة من خطورة استخدام “داعش” والتنظيمات الإرهابية لـ”الإنترنت” من أجل إغراء الشباب المسلم ومن قدرة هذه التنظيمات على ذلك.
هناك دعوة أردنية صريحة إلى الارتقاء في الحرب على الإرهاب وعدم تفويت أي فرصة من أجل القضاء على هذا الخطر. هناك بكلّ بساطة سبع خطوات تقود إلى “عالم أكثر أمنا وقوّة، ويسود فيه التعايش والمشاركة بين الجميع، فضلا عن الازدهار والسلام”.
مرّة أخرى، أظهر الأردن، على الرغم من التحديات الضخمة التي تواجهه، أنّ لديه القدرة على لعب دور طليعي في كلّ المجالات. كان ملفتا ما فعله العاهل الأردني في بداية زيارته لنيويورك. قام بجولة في مصنع للأدوية تابع لشركة أردنية. صار الأردن موجودا على الخريطة العالمية لإنتاج الأدوية من خلال جهود لمواطنيه. هذا يؤكّد أن المملكة تتطوّر، وأنّ أبناءها يمتلكون قدرات كبيرة على تحسين الوضع الاقتصادي للبلد من جهة، وعلى الارتباط بكل ما هو حضاري على الكرة الأرضية من جهة أخرى.
في منطقة تهبّ عليها العواصف من كلّ حدب وصوب، لا يكتفي الأردن بتحصين نفسه وخوض الحرب على الإرهاب في الوقت ذاته. إنّه يطرح أفكارا جديدة من أجل القضاء نهائيا على “داعش”. يسعى عبدالله الثاني، بكلّ بساطة، إلى رفع لمستوى المواجهة مع الخطر الإرهابي، من دون تجاهل المسؤوليات التي تقع على المسلمين في هذا المجال.
لا يكتفي الأردن بالشكوى من العبء الثقيل الذي يتحمّله في ظل تدفّق اللاجئين السوريين على أراضيه، بعدما بات هؤلاء يشكلون نسبة عشرين في المئة من السكان. إنّه يتابع أيضا الإصلاحات الداخلية. كان طرح قانون جديد للانتخابات، يكون بديلا من القانون الحالي الذي يقوم على الصوت الواحد، أي أن التصويت يقتصر على مرشّح واحد، دليلا على أنّ التطورات الإقليمية المتسارعة لا تعني الانشغال عن الهمّ المحلّي. هناك، باختصار، سعي إلى سدّ كلّ الثغرات التي يمكن أن يتسلل منها الإرهاب والتطرف.
الثابت أنّ على من يريد بالفعل سدّ هذه الثغرات خوض حروب على جبهات عدة، بدءا بالإصلاحات الداخلية، وصولا إلى المواجهة مع حكومة إسرائيلية تعمل من أجل فرض واقع جديد في القدس.
يخوض الأردن كلّ هذه الحروب التي تشمل بالطبع الاهتمام بالاقتصاد والتعليم، وتتطلب خطابا سياسيا جديدا متجددا على نسق ذلك الذي ألقاه عبدالله الثاني في الأمم المتحدة.
من كان يصدّق أن المملكة ستكون قادرة على مواجهة كلّ تلك الحروب في آن، خصوصا في ظلّ ما تشهده سوريا وما يشهده العراق، وفي ظل غياب القيادة الأميركية، وإصرار إيران على الاستمرار في مشروعها التوسّعي القائم على الاستثمار في الغرائز المذهبية؟
من يتمعّن في كلّ تلك الحروب وتفاصيل كلّ منها، يتأكّد من شيء واحد، هو أن لا شيء يحدث بالصدفة وأنّ الصيغة الأردنية التي استخفّ بها كثيرون وصولا إلى الكلام عن “مملكة مصطنعة”، هي أقوى بكثير مما يعتقد. الأردن ليس حاجة إقليمية فقط، بل يبدو اليوم، أكثر من أي يوم، أنّه لاعب أساسي في المنطقة، على الرغم من إمكاناته المتواضعة وثرواته التي لا تذكر.