لم تعد من مهمّة للنائب المسيحي ميشال عون هذه الأيّام غير التغطية على السلاح غير الشرعي لـ”حزب الله”، وهو سلاح يستهدف تدمير مؤسسات الدولة اللبنانية الواحدة تلو الأخرى وتحويل لبنان إلى “ساحة” تستخدمها طهران في إطار مشروعها التوسّعي في المنطقة.
لعلّ أخطر ما في الأمر أن ما يقوم به ميشال عون يعكس الأزمة العميقة التي يمرّ بها المسيحيون في لبنان. أن يقف المسيحيون يتفرّجون على ميشال عون يعطّل الحياة في الوسط التجاري لبيروت وفي المناطق المسيحية، دليل على نوع من العقم.
هذا العقم جعل “الكتائب” و”القوات اللبنانية” لا يفكّران، كلّ منهما على طريقته، سوى بكيفية وراثة “الجنرال” الذي تجاوز الثمانين من العمر ولم يعد قادرا على استيعاب أن تياره سينتهي معه، خصوصا أنّه لم يكن يوما سوى تعبير عن الانحطاط المسيحي على كلّ المستويات، بما في ذلك في مجال السقوط الفكري والعجز عن استيعاب التطورات التي يمرّ فيها لبنان والمنطقة. ليس مطلوبا بالأكيد مواجهة مسيحيةـ مسيحية، بمقدار ما أنّ المطلوب تصحيح وجهة البوصلة في اتجاه تحديد مكمن الداء، أي سلاح “حزب الله” الذي خلف السلاح الفلسطيني..
لا مفرّ من الاعتراف بأنّ لدى ميشال عون أنصاره، الذين لا يمكن الاستخفاف بعددهم، في الأوساط المسيحية، خصوصا في أوساط الطبقة ما دون المتوسطة. هذا شيء والوقوف موقف المتفرّج من المتاجرة بالمسيحيين اللبنانيين والادعاء بالدفاع عن حقوقهم شيء آخر. ليس طبيعيا السكوت المسيحي عن ميشال عون الذي يبدو مستعدا للتضحية بكلّ مسيحي لبناني إرضاء لمعلّميه الجدد في طهران.
هل حزبا “الكتائب” و”القوات” متحالفان مع تياّر المستقبل بزعامة سعد رفيق الحريري.. أم أنهما متحالفان مع “داعش”، ومع ما تمثّله؟ يفترض بالحزبين السياسيين اللذين يؤمنان بلبنان السيّد الحرّ المستقلّ ويرفضان العيش في دولة “حزب الله” اتّخاذ موقف واضح من عملية التزوير المكشوفة التي يمارسها “الجنرال”. تصبّ هذه العملية في إيجاد هوّة بين السنّة والمسيحيين في حين أنّ في صلب الأزمة اللبنانية “سلاح حزب الله” الذي ليس سوى تعبير عن الرغبة في تحويل الوطن الصغير مستعمرة إيرانية لا أكثر.
قبل كلّ شيء، لا علاقة لطرح ميشال عون بحقوق المسيحيين في لبنان. لو كانت هذه الحقوق من بين هموم “الجنرال”، لكان نزل إلى مجلس النوّاب وشارك في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، هو رئيس الدولة المسيحي الوحيد في المنطقة الممتدة من موريتانيا إلى أندونيسيا.
المؤسف أن هناك مسيحيين يسيرون خلف عون. ليس معروفا هل لدى هؤلاء حدّ أدنى من العقل والمنطق؟ الأكيد أنّ مجموعة صغيرة من هؤلاء تعرف تماما إلى أيّ مدى يعاني ميشال عون من التخلّف، لكنّ الانتهازية تبرّر حتّى تعطيل الحياة في وسط بيروت والمناطق المسيحية وتهجير أكبر عدد من المسيحيين من لبنان.
لا يستطيع ميشال عون أن يتغيّر. لا يستطيع عمل شيء آخر غير الهدم من جهة والإساءة إلى المسيحيين خصوصا واللبنانيين عموما من جهة أخرى. لا يستوعب عقله أنّه لم يكن يوما سوى أداة استخدمها النظام السوري لدخول قصر بعبدا ووزارة الدفاع في العام 1990 من القرن الماضي وذلك بهدف خطف اتفاق الطائف وتطبيقه حسب المفاهيم والشروط السورية.
نفّذ ميشال عون خلال وجوده في قصر بعبدا بين 1988 و1990، كلّ ما هو مطلوب منه سوريا، بما في ذلك منع الرئيس المنتخب رينيه معوّض من دخول قصر بعبدا كي يتمكّن النظام السوري من تصفيته في منطقة لا تبعد كثيرا عن حيّ الصنائع في بيروت. اصطدم أيضا بـ”القوات اللبنانية” التي كانت لا تزال ميليشيا من ميليشيات الحرب، كي يدمّر المناطق المسيحية وكي يشفي غليل حافظ الأسد. استخدم دبابات حصل عليها من صدّام حسين، مُرّرت له عن طريق تركيا برّا، ثم عن طريق إسرائيل بحرا، كي يدخل في مواجهة مع “القوات” أدت إلى تهجير مئات آلاف المسيحيين من لبنان.
في حربه مع “القوات”، واجه ميشال عون الذي كان لا يزال قائدا للجيش ورئيسا لحكومة مؤقتة مهمتها محصورة في المساعدة في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، مشكلة وقود وذخائر. تولّى عملاء سوريا، من إيلي حبيقة إلى الحزب السوري القومي، تأمين المطلوب، كي لا تقوم للمسيحيين قيامة في لبنان. كان مطلوبا من ميشال عون الانتهاء من المسيحيين وتسليم القصر الرئاسي ووزارة الدفاع إلى المحتلّ السوري. هذا ما فعله تماما. وهو يكافأ الآن على ذلك. قدّم “الجنرال” قبل ربع قرن كلّ الأدلة المطلوبة منه والتي تثبت أنّه أداة صالحة لكلّ المهمّات القذرة بامتياز ليس بعده امتياز.
نعم، يواجه اللبنانيون حاليا حربا مع الإرهاب. من مصلحة اللبنانيين الوقوف صفّا واحدا مسيحيين وسنّة وشيعة ودروزا. ولكن في أساس هذه الحرب السلاح غير الشرعي لـ”حزب الله” الذي يتدخل في سوريا من زاوية مذهبية ضاربا بعرض الحائط السيادة اللبنانية والحدود الدولية للبنان. ما لا يستطيع المُعوّقون ذهنيا من المسيحيين، من أنصار ميشال عون، فهمه أنّ الحليف الحقيقي لـ”داعش” السنّي هو “حزب الله” الذي يلعب مع النظام السوري ورقة الحرب على الإرهاب لتبرير عملية الذبح المنظمة للشعب السوري.
لا يمكن التفريق بين “داعش” السنّي والدواعش الشيعية. كلّ ما في الأمر أن الشيعة والسنّة والدروز والمسيحيين في حاجة إلى الوقوف في وجه كل من يقبل أن يكون بلدهم ضحية الحرب التي يشنّها بشّار الأسد على شعبه بمؤازرة إيرانية مباشرة.
يرتضي ميشال عون، مرّة أخرى، لعب الدور المطلوب منه في وقت رفع أهل السنّة شعار “لبنان أوّلا” وخاضوا معركة إخراج الجيش السوري والأجهزة التابعة له من البلد.. دفاعا عن الدولة اللبنانية ومؤسساتها والمناصفة بين المسيحيين والمسلمين.
مسكين من لم يفهم هذه المعادلة التي وحدها الكفيلة بإنقاذ لبنان. المساكين بالفعل، هم المسيحيون الذين يقبلون أن يتحكّم ميشال عون بمستقبلهم، لمجرّد أنّه لا يستطيع أن يكون شيئا آخر غير أداة، أو على الأصحّ أداة لدى الأدوات. لم يعد لديه ما يفعله سوى تأمين منع انتخاب رئيس جديد للجمهورية والعمل على تصوير الصراع في لبنان صراعا بين السنّة والمسيحيين، وهو أمر لا تؤمن به سوى العقول المريضة.
هذا ما تريده إيران التي “لا تتدخّل في الشؤون الداخلية اللبنانية”، على حد قول وزير خارجيتها محمد جواد ظريف خلال زيارته الأخيرة لبيروت. بوجود أمثال ميشال عون، لا حاجة إلى تدخّل في الشؤون اللبنانية ما دامت إيران تمتلك ميليشيا تتحكّم بكلّ مفاصل الدولة في لبنان.. وما دامت لديها أداة مسيحية مستعدة لتغطية هذه الميليشيا.
هل من انحطاط مسيحي أكثر من هذا الانحطاط الذي بات ميشال عون رمزه وعنوانه وأفضل من يعبّر عنه؟