ضربة مرّت بسلام

ضربة مرّت بسلام

المغرب اليوم -

ضربة مرّت بسلام

بقلم - خيرالله خيرالله

كانت الضربة المشتركة ناجحة. دمرت كل الأهداف المطلوب تدميرها من دون مقاومة تذكر وذلك عن طريق استخدام سلاح الجو والصواريخ، خصوصا صواريخ توماهوك، حصل كل ذلك بالتنسيق مع روسيا.

ضربة لحفظ ماء الوجه
هل المشكلة في السلاح الكيميائي الذي يمتلكه النظام السوري أم في مكان آخر؟ ما الفرق بين قتل السوريين بالسلاح الكيميائي وقتلهم بواسطة البراميل المتفجرة؟ هل الموت بالسلاح الكيميائي مختلف عن الموت بالبراميل المتفجرة أو قذائف المدفعية أو القنص؟

لا يختزل السلاح الكيميائي الأزمة السورية. من الواضح أن النظام لن يكون قادرا في المرحلة المقبلة على استخدام السلاح الكيميائي، لكن ذلك لن يمنعه من متابعة تهجير السوريين من أرضهم خدمة لهدف إيراني محدّد.

يتمثل هذا الهدف في تغيير التركيبة الديموغرافية لدمشق والمنطقة المحيطة بها. ليس ما حلّ بأهل الغوطة الشرقية سوى دليل على ذلك وعلى متابعة تنفيذ مخطط يصبّ في السيطرة على دمشق بعد تدمير حلب وحمص وحماة.

يمكن أن تكون للضربة الأميركية – الفرنسية – البريطانية أهميتها في حال اندرجت في سياق استراتيجية متكاملة تستهدف حصول تغيير في العمق في سوريا. مثل هذا التغيير يتطلب مرحلة انتقالية لا يكون فيها بشّار الأسد رئيسا. كلّ ما عدا ذلك إضاعة للوقت يكشفه كلام رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي عن أن الهدف لم يكن المسّ بالنظام السوري.

لم يكن الموضوع موضوع “تغيير للنظام”، على حد تعبير ماي. يؤكد هذا الكلام أن الضربة كانت ذات طابع تجميلي لصورتي ترامب وماي في واشنطن ولندن، فيما لدى فرنسا ورئيسها إيمانويل ماكرون همّ من نوع آخر هو الرغبة في العودة إلى الشرق الأوسط ولعب دور فاعل فيه من البوابة السورية.

في النهاية، هل كانت الضربة الأميركية المنتظرة التي شاركت فيها فرنسا وبريطانيا للاستهلاك الداخلي، خصوصا في الولايات المتحدة وبريطانيا؟ في الولايات المتحدة، هناك حاجة لدى الرئيس دونالد ترامب إلى إبعاد التركيز على مشاكله الداخلية.

وفي بريطانيا، تحتاج رئيسة الوزراء في كلّ يوم إلى إظهار أنها شخصية قويّة قادرة على البقاء في الموقع الذي تشغله منذ استقالة ديفيد كاميرون الذي أورثها الكارثة التي تسبب بها الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي صيف العام 2016، أي ما يعرف بـ”بريكست”.

عسكريا، كانت الضربة المشتركة ناجحة. دمّرت كلّ الأهداف المطلوب تدميرها من دون مقاومة تذكر وذلك عن طريق استخدام سلاح الجوّ والصواريخ، خصوصا صواريخ “توماهوك”. حصل كلّ ذلك بالتنسيق مع روسيا التي أبلغت مسبقا بالضربة فاتخذت موقف المتفرّج واكتفت بعد ذلك بالإشادة بما قام به الجيش السوري الذي أسقط من وجهة نظرها 71 صاروخا!

يؤكّد ذلك أن كلّ التهديدات الروسية للغرب ليس سوى تهديدات فارغة وأنّ موسكو تعرف تماما أنها لا تستطيع البقاء في سوريا من دون شروط معيّنة امتنعت إلى الآن عن تلبيتها، لكنّه سيتوجب عليها أن تفعل ذلك في يوم قد يكون قريبا. بين هذه الشروط استيعاب الوجود الإيراني والحدّ منه. هناك مكان لروسيا في سوريا ولكن لا مكان لإيران فيها في المدى الطويل، اللهمّ إلا إذا حصل تفاهم في هذا المجال بين طهران وتل أبيب.

الضربة الثلاثية لا تندرج في سياق استراتيجية أميركية شاملة ومتكاملة في الشرق الأوسط والخليج، إلا إذا كانت التغييرات الأخيرة في واشنطن ستؤدي إلى بلورة مثل هذه الاستراتيجية

وهذا يعني أن تحلّ إيران في سوريا مكان النظام الذي أمّن الهدوء والأمان المطلوب تأمينهما لإسرائيل في الجولان المحتل منذ العام 1974. سيتبيّن قريبا ما إذا كان هناك مشروع لتفاهم إيراني – إسرائيلي يتعلّق بالوجود الإيراني الدائم في سوريا وحتّى في لبنان.

سيتبيّن هل في استطاعة إيران، من أجل ضمان وجودها في الجنوب السوري وفي لبنان، تقديم الضمانات التي تريدها إسرائيل، وهي ضمانات مشابهة لما كان يقدّمه النظام السوري في عهدي الأسد الأب والأسد الابن.

ولكن ماذا عن النجاح السياسي للضربة؟ هل يمكن أن تغيّر شيئا في سوريا باستثناء أن لا استخدام للسلاح الكيميائي بعد الآن؟ المؤسف أن ليس ما يشير إلى أي تغيير على الأرض، لا لشيء سوى لأنّ مشكلة سوريا لم تكن يوما في السلاح الكيميائي.

ظهر ذلك من خلال إصرار الجانب الروسي على نقطة في غاية الأهمية. تتمثّل هذه النقطة في أن الضربة لم تستهدف المطارات التي يستخدمها النظام كنقطة انطلاق لشن هجمات على القرى والبلدات والمدن السورية بغية إرهاب المواطن العادي وإجباره على ترك بيته وأرضه. لو كانت هناك نيّة فعلية بالتصدي للنظام وشلّه، لكانت الخطوة الأولى في الضربة الثلاثية استهداف مدرجات المطارات العسكرية.

لعلّ أخطر ما في الأمر أنّ الضربة الثلاثية لا تندرج في سياق استراتيجية أميركية شاملة ومتكاملة في الشرق الأوسط والخليج، إلا إذا كانت التغييرات الأخيرة في واشنطن ستؤدي إلى بلورة مثل هذه الاستراتيجية.

هناك وزير جديد للخارجية هو مايك بومبيو ومستشار جديد للأمن القومي هو جون بولتون. هل يوحي وجود هذين الشخصين في موقعيهما الجديدين بأنّ الإدارة بدأت تفكر بطريقة مختلفة وأن دونالد ترامب سيكون بالفعل مختلفا عن باراك أوباما، خصوصا في ما يخصّ إيران؟

هل توحي التغييرات الأخيرة في الإدارة الأميركية بأنّ الولايات المتحدة ستخرج من حال الضياع التي تعاني منها منذ عشر سنوات، أي منذ وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض… وهو ضياع استمر مع دونالد ترامب، أقلّه إلى الآن؟

ليس سرّا أنّه سيكون على إدارة ترامب، قبل الثاني عشر من أيار – مايو المقبل، اتخاذ موقف من الاتفاق في شأن الملف النووي الإيراني الذي تم التوصّل إليه صيف العام 2015. هناك اتجاه قوي في واشنطن إلى إلغاء هذا الاتفاق الذي توصلت إليه إيران مع مجموعة الخمسة زائدا واحدا، أي مع البلدان الخمسة ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن وألمانيا. لكنّ الأوروبيين يصرون على التمسّك بالاتفاق وربطه بمسائل أخرى من بينها الصواريخ الباليستية وسلوك إيران في المنطقة. وهذا ما يفترض في ترامب وإدارته مراعاته إلى حدّ ما.

مرّت الضربة بسلام. لم تتحرّك روسيا. لم تفعل إيران شيئا. لم يطرح مصير النظام السوري، على الرغم من أنّه صار في مزبلة التاريخ منذ فترة طويلة. ماذا عن مرحلة ما بعد الضربة؟

سيعتمد الكثير على ما إذا كانت واشنطن باتت تعرف ماذا تريد في سوريا وهل يمكن التوصّل إلى مرحلة انتقالية تؤدي إلى حل سياسي يأخذ في الاعتبار أن روسيا ليست قادرة على حماية النظام إلى ما لانهاية وأنّ ثمّة حاجة إلى ضبط إيران وإعادتها إلى حجمها الطبيعي تفاديا لانفجار كبير في المنطقة كلّها.

مرّة أخرى، ليست المشكلة في السلاح الكيميائي الذي يمتلكه النظام السوري والذي كان مفترضا أن يكون تخلّص منه في العام 2013 بضمانة روسية. المشكلة في مصير سوريا ككلّ وهل تكون قاعدة إيرانية وجزءا من المشروع التوسعي لطهران الذي يشمل العراق ولبنان أيضا أم لا؟

مثل هذه الأسئلة ستطرح نفسها عاجلا أم آجلا في حال كان مطلوبا أن تكون الضربة الثلاثية الأخيرة آخر الضربات وليس مقدّمة لمزيد من التصعيد والضربات في الشرق الأوسط كلّه والخليج.

لا يختزل السلاح الكيميائي الوضع السوري مثلما لم يختزل الملف النووي، كما كان يعتقد باراك أوباما، كلّ مشاكل المنطقة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ضربة مرّت بسلام ضربة مرّت بسلام



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 12:22 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

شركة "مصر للطيران" تستعد لاستقبال 33 طائرة جديدة

GMT 08:59 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

"شيوكو" أصغر الجزر الرئيسية الأربع في اليابان

GMT 00:19 2020 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

نفيديا تُعلن عن أول شاشة 360Hz

GMT 17:16 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

البرازيلي أليسون أفضل حارس في استفتاء الكرة الذهبية 2019

GMT 02:01 2019 الأحد ,03 آذار/ مارس

ديكورات غرف نوم أبناء النجمات

GMT 15:14 2019 الإثنين ,28 كانون الثاني / يناير

أنباء عن زيارة الملك محمد السادس لمراكش الثلاثاء

GMT 18:54 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

تعرّف على المُخدر الذي استخدمه راقي بركان للايقاع بضحاياه

GMT 14:29 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرفي على أجمل ديكورات الجبس للمجالس داخل منزلك

GMT 04:16 2018 الثلاثاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أم تستفيق بين أحضان طفلها بعد 23 يومًا من الغيبوبة

GMT 09:08 2018 الأربعاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

5000 بحيرة في النمسا تتقاسم الجمال الطبيعي والسُياح
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya