تصالح الفلسطينيين مع الواقع والحقيقة

تصالح الفلسطينيين مع الواقع والحقيقة

المغرب اليوم -

تصالح الفلسطينيين مع الواقع والحقيقة

بقلم ـ خيرالله خيرالله

لا ضرر من أيّ مصالحة فلسطينية حتّى في غياب ما يشير إلى غياب أيّ رغبة في محاسبة “حماس” أو قدرة على ذلك. كان ضروريا محاسبة “حماس” التي هي جزء لا يتجزّأ من التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، أقلّه تعداد جرائمها بعد كلّ ما ارتكبته في حقّ الشعب الفلسطيني في السنوات العشرين الماضية وليس فقط بعد سيطرتها الكاملة على قطاع غزّة في شهر حزيران-يونيو من العام 2007.

تبقى الجريمة الأولى لـ“حماس” التي ستدخلها التاريخ من أبوابه الواسعة، جريمة تغيير صورة الشعب الفلسطيني في العالم. روّجت “حماس” لصورة ذلك المسلّح الملثّم الذي يؤمن بالعمليات الانتحارية ويعتقد أن الصواريخ الموجودة في غزّة أقامت توازن رعب مع إسرائيل. نجحت في تحويل الفلسطيني إلى الجلاد وإسرائيل إلى ضحية، في حين أن إسرائيل هي من يمارس إرهاب الدولة المتمثّل في احتلال الأرض الفلسطينية في الضفّة الغربية.
صورة بعيدة عن الواقع

ما يمكن أن يكون أهمّ من المصالحة التي ارتدت طابعا فولكلوريا أكثر من أيّ شيء آخر هو التصالح الفلسطيني مع الذات ومع الواقع بعيدا عن إطلاق الشعارات الطنانة ثمّ تصديقها وبناء سياسة انطلاقا من وهم هذه الشعارات. من يبني سياسة على وهم لن يجد ما يحصده غير الوهم في نهاية المطاف.

ما يمكن أن يبنى عليه هو وجود شعب فلسطيني منتشر في داخل أرض فلسطين التاريخية وفي مختلف أنحاء العالم. هذا الشعب موجود على الخارطة السياسية للشرق الأوسط. كيف يمكن ترجمة هذا الوجود السياسي الذي لا جدل في شأنه إلى وجود على الخارطة الجغرافية بمصالحة فلسطينية أو من دون مثل هذه المصالحة فلسطينية.

تعني المصالحة مع الواقع أنّه يفترض في الفلسطينيين أخذ العلم بأنّ قضيتهم لم تعد قضيّة العرب الأولى. من يقول لهم ذلك ومن يتحدّث عن “بوصلة فلسطين” وعن ضرورة عدم إضاعتها ليس سوى مخادع ومحتال صغير ينتمي إلى المتاجرين بالقضيّة الفلسطينية والمستثمرين في عذابات الشعب الفلسطيني التي يعبّر عنها الاحتلال من جهة والمخيمات الفلسطينية في فلسطين نفسها وفي دول أخرى من بينها لبنان والأردن وسوريا من جهة أخرى.

هل من أمل في أن يدرك الشعب الفلسطيني أخيرا أنّ عليه العودة إلى أرض الحقيقة وأن يتصالح معها. يقول الكلام المنبعث من أرض الحقيقة قبل أيّ شيء آخر إنّه ليس مسموحا للفلسطينيين بارتكاب مزيد من الأخطاء، بما في ذلك الاعتقاد أن الشرق الأوسط، الذي عرفوا كيف يتعايشون، في الماضي، مع مختلف الأنظمة التي تحكم دوله، لا يزال على حاله. كذلك الأمر بالنسبة إلى دول الخليج العربي التي تغيّرت طبيعة أولوياتها، خصوصا في ضوء الهجمة الإيرانية على كلّ ما هو عربي في المنطقة، وبعد كلّ ما حصل ويحصل في العراق واليمن.

المؤسف أن الاحتفال بتوقيع المصالحة الفلسطينية كان بين أشخاص من “فتح” و“حماس” لا علاقة لهم من قريب أو بعيد بالتغيّرات الجذرية التي شهدتها المنطقة. هؤلاء أشخاص يعيشون خارج سياق الأحداث والمستجدات والواقع الجديد الذي جعل المصالحة ممكنة. هذه المصالحة بدأت بلقاءات بين جناح القائد الفتحاوي محمّد دحلان وممثلين لـ“حماس” أدركوا أن تجربة الحركة في غزّة بلغت الطريق المسدود وأنّ لا بدّ من إيجاد مخرج.

لا شكّ أن الدور المصري كان أساسيا في إيجاد هذا المخرج. أخذت مصر المبادرة. صارت عاملا فاعلا في غزّة في حين كانت في الماضي تتأثر بـ“حماس”، خصوصا في السنوات الأخيرة من حكم حسني مبارك وفي مرحلة استيلاء الإخوان المسلمين على الرئاسة المصرية عبر شخصية، أقلّ ما يمكن أن توصف به أنّها تافهة، هي شخصية محمّد مرسي.

لم يكن صحيحا في أيّ وقت أن مرسي كان منتخبا ديمقراطيا. جاء إعلان فوزه في الرئاسة على منافسه نتيجة ضغوط مارسها الإخوان المسلمون على كلّ المستويات، بما في ذلك القوات المسلّحة المصرية.

ما الذي يترتب عمله الآن بعد عودة “حماس” إلى حضن السلطة الوطنية، أقلّه ظاهرا، وتوقيعها اتفاق المصالحة مع جناح “فتح” الذي يتزعمّه محمود عبّاس (أبو مازن).

الأكيد أن الدور المصري لا يمكن أن ينتهي بمجرد حصول حفلة التوقيع وتبادل القبل بين هذا المسؤول الفتحاوي وذلك القيادي الحمساوي. المسألة تتعدى ذلك. أين موقع غزّة في عملية حماية الأمن الوطني لمصر.

هذا هو السؤال الذي سيطرح نفسه في كلّ يوم، خصوصا بعد تورّط “حماس” في السنوات الماضية في كلّ ما له علاقة بالإرهاب في سيناء وفي الداخل المصري.

على الصعيد الفلسطيني نفسه، صارت هناك حاجة إلى إدراك أن المساعدات العربية ستكون مدروسة، ولن تأتي كما كانت الحال في الماضي، من أجل تضخيم عدد أفراد القوات الفلسطينية أو الموظفين العاملين في القطاع العام. هذه بطالة مقنّعة ليس إلّا.

فوق ذلك كله، لم يعد هناك من يسعى إلى إطالة حصار غزّة الذي كان موضوع مزايدات جعلت الجانب التركي يتدخّل في إحدى المرات لإحراج العرب ولا من أجل تحقيق أي هدف آخر.

يمكن لغزّة، في حال التخلّص من فوضى السلاح وإعادة فتح معبر رفح مع مصر بشكل طبيعي، أن تكون منطلقا لمرحلة فلسطينية جديدة.

هناك فرصة لتقديم نموذج عما يمكن أن تكون عليه الدولة الفلسطينية التي قد ترى النور يوما، على الرغم من كلّ ما تقوم به إسرائيل لتقطيع أوصال الضفّة الغربية وتطويق القدس من كلّ الجهات وعزلها عن محيطها العربي.

    مجرد إعادة الحياة إلى طبيعتها في القطاع والانتهاء من فوضى السلاح سيسمح بقيام نواة لدولة فلسطينية تستطيع العيش بسلام وأمان مع محيطها بعيدا عن وهم الانتصار على إسرائيل

سيكون نجاح تجربة غزّة التي تعاني من صغر مساحة الأرض ومن كثافة سكّانية عالية، بداية تغيير لصورة الفلسطيني التي ارتسمت في العالم، خصوصا في أميركا والدول الأوروبية.

مجرّد إعادة الحياة إلى طبيعتها في القطاع والانتهاء من فوضى السلاح سيسمح بقيام نواة لدولة فلسطينية تستطيع العيش بسلام وأمان مع محيطها بعيدا عن وهم الانتصار على إسرائيل بفضل صواريخ مضحكة مبكية أو عمليات انتحارية. خاضت غزّة حروبا عدّة مع إسرائيل منذ العام 2007. كانت النتيجة أن أحياء عدّة في القطاع ما زالت مدمّرة إلى اليوم.

ما كان مفترضا أن يبدأ به الفلسطينيون، بمساعدة مصر في صيف العام 2005، عندما انسحبت إسرائيل من غزّة انسحابا كاملا يمكن أن يبدأ في 2017، أي بتأخير اثنتي عشرة سنة. هناك ما يزيد على عشر سنوات من الوقت الضائع كان يمكن أن يستغلها الفلسطينيون لإظهار أنّهم تصالحوا مع الحقيقة والواقع أوّلا ومع نفسهم ثانيا وأخيرا.

يمكن لغزّة على الرغم من كلّ فقرها ومشاكلها الكثيرة والمتشعّبة أن تكون بداية، كما أنّها تأكيد لواقع يتمثل في أن الشعب الفلسطيني واحد وأنّه يريد مواجهة الاحتلال في الضفّة الغربية بوسائل فعالة غير الصواريخ وفوضى السلاح والتهريب والأنفاق..

المصالحة جيّدة بحد ذاتها. ولكن ماذا بعد المصالحة. الامتحان سيكون في غزّة وليس في أيّ مكان آخر. سيتبيّن هل لدى الفلسطينيين ما يفعلونه غير تفويت كلّ فرصة تسنح لهم لإثبات أنّ وجودهم على الخارطة السياسية للمنطقة كشعب يستحقّ الحياة يحتاج فعلا إلى ترجمة على الخارطة الجغرافية للشرق الأوسط.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تصالح الفلسطينيين مع الواقع والحقيقة تصالح الفلسطينيين مع الواقع والحقيقة



GMT 14:23 2020 الأحد ,05 تموز / يوليو

بعض شعر العرب - ٢

GMT 08:03 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

وعادت الحياة «الجديدة»

GMT 07:58 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

المغامرة الشجاعة لمصطفى الكاظمي

GMT 07:54 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

لى هامش رحلة د. أبوالغار

GMT 07:51 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

«28 مليون قطعة سلاح»

GMT 07:48 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

الفيس.. والكتاب!

GMT 10:48 2020 السبت ,27 حزيران / يونيو

الأطباء ورئيس الوزراء

GMT 10:46 2020 السبت ,27 حزيران / يونيو

وداعًا للشيشة!

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 12:22 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

شركة "مصر للطيران" تستعد لاستقبال 33 طائرة جديدة

GMT 08:59 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

"شيوكو" أصغر الجزر الرئيسية الأربع في اليابان

GMT 00:19 2020 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

نفيديا تُعلن عن أول شاشة 360Hz

GMT 17:16 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

البرازيلي أليسون أفضل حارس في استفتاء الكرة الذهبية 2019

GMT 02:01 2019 الأحد ,03 آذار/ مارس

ديكورات غرف نوم أبناء النجمات

GMT 15:14 2019 الإثنين ,28 كانون الثاني / يناير

أنباء عن زيارة الملك محمد السادس لمراكش الثلاثاء

GMT 18:54 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

تعرّف على المُخدر الذي استخدمه راقي بركان للايقاع بضحاياه

GMT 14:29 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرفي على أجمل ديكورات الجبس للمجالس داخل منزلك

GMT 04:16 2018 الثلاثاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أم تستفيق بين أحضان طفلها بعد 23 يومًا من الغيبوبة

GMT 09:08 2018 الأربعاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

5000 بحيرة في النمسا تتقاسم الجمال الطبيعي والسُياح
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya