الوحدة اليمنية ضرورية ولكن

الوحدة اليمنية ضرورية.. ولكن!

المغرب اليوم -

الوحدة اليمنية ضرورية ولكن

بقلم : خيرالله خيرالله

لا يختلف عاقلان على أن الوحدة اليمنية التي أعلنت في مثل هذه الأيام قبل سبعة وعشرين عاما، كانت في ظروف معيّنة ومرحلة محدّدة مخرجا للشمال والجنوب في الوقت ذاته. في الأشهر التي سبقت إعلان الوحدة في الثاني والعشرين من أيار – مايو 1990، لم تعد من خيارات أخرى غير الذهاب في هذا المشروع السياسي إلى النهاية، علما أن قياديين كثيرين في الجنوب نادوا وقتذاك بضرورة التريّث. دعا هؤلاء إلى تفادي الذهاب مباشرة إلى الوحدة الاندماجية التي أزالت كليا الكيانين السياسيين المسمّيين “الجمهورية العربية اليمنية” و“جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية”.

لكنّ الواضح أن علي سالم البيض، الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني الحاكم في الجنوب وقتذاك، كان يدرك أن الوحدة على مراحل ستعني العودة إلى المماطلة والأخذ والردّ وجولات طويلة من المفاوضات في وقت لم يكن الوقت يسمح بذلك. إما وحدة أو لا وحدة. ذلك كان الموقف، باختصار شديد، في مرحلة ما قبل رفع علم “الجمهورية اليمنية” في احتفال أقيم في عدن تصدره كل من علي عبدالله صالح والبيض.

هل يمكن القول بعد سبعة وعشرين عاما على الوحدة اليمنية إنها لم تجلب لليمنيين سوى الويلات وأن الوقت حان للعودة عنها؟ في الأصل، هل يمكن العودة عن الوحدة بسهولة، كما يتصور بعضهم؟

تصعب الإجابة عن هذا السؤال، خصوصا أنّ تجربة الدولة المستقلة في الجنوب كانت فاشلة إلى حد كبير. كانت فاشلة إلى درجة يستحيل الدفاع عنها نظرا إلى أنها كانت سلسلة من الحروب الداخلية والانقلابات الدموية كان لا بد من وضع حد لها بطريقة أو بأخرى.

أكثر من ذلك، كانت تلك الدولة نتاج الحرب الباردة. انتهت دولة الجنوب مع انتهاء الحرب الباردة، بل كانت مؤشرا إلى انتهاء الاتحاد السوفياتي الذي استثمر فيها طويلا، بل طويلا جدا. سقط جدار برلين في تشرين الثاني – نوفمبر 1989 وأعلنت الوحدة اليمنية في مثل هذه الأيام من العام 1990.

ليس أسهل من عرض تاريخ “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” للتأكّد من فشل تلك الدولة التي كانت كل شيء باستثناء أنها “ديمقراطية”. يكفي أن النظام الذي قام في الجنوب، مباشرة بعد إبعاد أول رئيس لجمهورية الدولة التي استقلت في العام 1967، تحوّل إلى نظام الحزب الواحد. تكفّل النظام بتهجير كلّ العقول من كلّ المحافظات التي كانت تتألّف منها “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” السعيدة الذكر.

ما لا يمكن تجاهله أن الوحدة اليمنية سمحت في بدايتها بقيام نظام تعدّدي في اليمن وبوضع دستور حديث، كان يمكن أن يكون أفضل بكثير، لولا اعتراضات الإخوان المسلمين ومن لف لفّهم من قوى لم تخف يوما أنّ هدفها الوصول إلى السلطة، بأي ثمن كان، خصوصا عن طريق استغلال المشاعر الدينية عند شعب مؤمن مثل الشعب اليمني.

الأهمّ من ذلك كلّه أن الوحدة اليمنية أنهت حروبا بين الشمال والجنوب وتوترا مستمرا على طول الحدود بين البلدين المستقلين. فوق ذلك، توقفت مزايدات الشماليين على الجنوبيين ومزايدات الجنوبيين على الشماليين. لولا الوحدة، لما كان في الإمكان الانتهاء يوما من ترسيم الحدود اليمنية – العُمانية ولا الحدود اليمنية – السعودية.

حتّى بعد حرب صيف العام 1994 وما تلاها من مظالم لحقت بأهل الجنوب، بقي هناك أمل في إصلاح الوضع اليمني انطلاقا من المركز، أي من صنعاء. ما لا مفرّ من تكراره أنّ المجموعة المحيطة بعلي عبدالله صالح لم تكن وحدها مسؤولة عن الحرمان الذي لحق بالمحافظات الجنوبية. كان هناك إسلاميون متطرفون، شاركوا في حرب صيف 1994، اعتبروا أن عليهم تغيير طبيعة المجتمع في الجنوب اليمني نحو الأسوأ. وهذا ما حصل بالفعل.

في 2017، وبعد انهيار المركز في صنعاء وبعد تشظي اليمن، لم يبق من الوحدة سوى الكيان اليمني. من الضروري المحافظة على الكيان، على الرغم من كلّ الأصوات التي ترتفع من هنا أو هناك، على غرار ما حصل في حضرموت قبل فترة قصيرة. فالكيان اليمني بشكله الحاضر جزء من التركيبة الإقليمية والمساس به يمكن أن يؤثر على الوضع الإقليمي ككل. لكن ذلك يجب أن لا يمنع البحث عن حلول خلاقة لليمن في ضوء انهيار الصيغة التي كانت تتحكّم بالبلد منذ سعى الإخوان المسلمين إلى قلب نظام حكم علي عبدالله صالح.

استغل هؤلاء “الربيع العربي” لقلب علي عبدالله صالح، من دون أن يعني ذلك بأي شكل أن نظامه كان مثاليا وبعيدا عن الفساد. ولكن ما لا يمكن القفز فوقه في نهاية المطاف هو أن الصيغة التي حكمت اليمن انهارت في العام 2011 وتأكد انهيارها مع محاولة اغتيال الرئيس اليمني السابق والمحيطين به في مسجد النهدين، داخل حرم دار الرئاسة، في الثالث من حزيران ـ يونيو 2011.

ماذا بعد انهيار الصيغة وسيطرة الحوثيين (أنصار الله) على صنعاء في أيلول – سبتمبر 2014؟ مثلما كان خيار الوحدة واضحا في 1990، فإن الخيار الواضح الآن، بعدما وضعت “عاصفة الحزم” حدا للتمدد الإيراني، يتمثل في تطويق منطقة سيطرة “أنصار الله” المتحالفين ظرفيا مع علي عبدالله صالح. لا مفرّ من تحرير الشريط البحري وصولا إلى الحديدة وميدي وذلك بعد تحرير المكلا وعدن والمخا. لا مفر أيضا من بذل جهود كبيرة لإعادة الوضع إلى طبيعته في كل الأراضي التي خرج منها “أنصار الله”. بقاء الوحدة ضروري، ولكن كيف العمل من أجل إيجاد صيغة جديدة لليمن؟ إن إيجاد هذه الصيغة يبدو أكثر من ضروري، إنه في مستوى أهمّية المحافظة على الكيان اليمني الموحّد. هذا لا يعني تجاهل مشاكل كبيرة من نوع وضع مدينة كبيرة في أهمّية تعز تعاني الأمرين منذ سنوات عدة.

ثمّة حاجة إلى نقلة نوعية في النظرة إلى اليمن. كيف إعادة تشكيل البلد من دون تناسي أن مؤتمر الحوار الوطني الذي انعقد قبل سنوات عدّة أقرَّ باليمن “دولة اتحادية”. ولكن هل من منطقة استطاعت فيها “الشرعية” القائمة تقديم نموذج عمّا يمكن أن يكون عليه أحد الأقاليم اليمنية مستقبلا؟

بكلام أوضح، هل استطاعت “الشرعية” تقديم نموذج واحد لمنطقة آمنة بالفعل؟ هل من فكرة جديدة قدّمتها “الشرعية” باستثناء الكلام العام الذي لا ترجمة له على الأرض؟

آن أوان التفكير بطريقة مختلفة في شأن مستقبل اليمن. آن أوان التفكير في كيفية الانتقال إلى مرحلة ما بعد انهيار الصيغة التي تحكّمت بالبلد طويلا، أي منذ وصول علي عبدالله صالح إلى السلطة في العام 1978. هناك، بكلّ بساطة، يمن جديد يبحث عن صيغة جديدة منذ اليوم الذي دار فيه الصراع بين علي عبدالله صالح وخصومه داخل أسوار صنعاء، بما مهّد لدخول “أنصار الله” العاصمة وإعلان قيام “الشرعية الثورية” فيها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الوحدة اليمنية ضرورية ولكن الوحدة اليمنية ضرورية ولكن



GMT 18:13 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

لا ثقة بحكومة حسّان دياب

GMT 15:45 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أوراق إيران التي ذبلت

GMT 09:52 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

أكثر من أي وقت… نفتقد نسيب لحّود

GMT 09:43 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

سقوط آخر لبريطانيا

GMT 09:51 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

عندما يهرب لبنان إلى "صفقة القرن"

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 12:22 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

شركة "مصر للطيران" تستعد لاستقبال 33 طائرة جديدة

GMT 08:59 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

"شيوكو" أصغر الجزر الرئيسية الأربع في اليابان

GMT 00:19 2020 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

نفيديا تُعلن عن أول شاشة 360Hz

GMT 17:16 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

البرازيلي أليسون أفضل حارس في استفتاء الكرة الذهبية 2019

GMT 02:01 2019 الأحد ,03 آذار/ مارس

ديكورات غرف نوم أبناء النجمات

GMT 15:14 2019 الإثنين ,28 كانون الثاني / يناير

أنباء عن زيارة الملك محمد السادس لمراكش الثلاثاء

GMT 18:54 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

تعرّف على المُخدر الذي استخدمه راقي بركان للايقاع بضحاياه

GMT 14:29 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرفي على أجمل ديكورات الجبس للمجالس داخل منزلك

GMT 04:16 2018 الثلاثاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أم تستفيق بين أحضان طفلها بعد 23 يومًا من الغيبوبة

GMT 09:08 2018 الأربعاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

5000 بحيرة في النمسا تتقاسم الجمال الطبيعي والسُياح
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya