وعد بلفور نجاح إسرائيل وفشلها

وعد بلفور.. نجاح إسرائيل وفشلها

المغرب اليوم -

وعد بلفور نجاح إسرائيل وفشلها

بقلم ـ خيرالله خيرالله

هناك تجاهل عربي دائم لموازين القوى القائمة في كل مرحلة من المراحل التي رافقت صدور وعد بلفور وصولا إلى المشروع الإسرائيلي الحالي القائم على استمرار الاستيطان في الضفة الغربية وعزل القدس عن محيطها من جهة ونشر الفوضى في المنطقة العربية من جهة

قبل مئة عام، في الثاني من تشرين الثاني – نوفمبر 1917، صدر وعد بلفور الذي كان في أساس قيام دولة إسرائيل التي توسّعت على حساب الشعب الفلسطيني أولا ثمّ على حساب جيرانها العرب في مرحلة لاحقة. لا يختلف عاقلان على أن الوعد لم يعد، في السنة 2017، مجرّد وعد من وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور إلى لورد روتشايلد، أحد وجهاء الطائفة اليهودية في بريطانيا ومن كبار الصهاينة.

تضمّنت الرسالة القصيرة التي بعث بها بلفور إلى روتشايلد وعدا “باسم حكومة جلالة الملك بالنظر بعين العطف لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين”. تحوّل الوعد، الذي صدر، قبيل وضع الحرب العالمية الأولى (1914-1918) أوزارها، إلى حقيقة عندما قامت دولة إسرائيل في العام 1948.

هذا واقع لا يمكن الهرب منه إلى الشعارات والمزايدات التي تتجاهل أن إسرائيل ما كان يمكن أن تقوم بالشكل الذي قامت به ثمّ تتوسّع لولا الرفض العربي للتعاطي مع الواقع.

هناك تجاهل عربي دائم لموازين القوى القائمة في كلّ مرحلة من المراحل التي رافقت صدور وعد بلفور وصولا إلى المشروع الإسرائيلي الحالي القائم على استمرار الاستيطان في الضفّة الغربية وعزل القدس عن محيطها من جهة ونشر الفوضى في المنطقة العربية من جهة أخرى.

نجحت إسرائيل نجاحا منقطع النظير في تحويل الوعد إلى دولة قائمة على القسم الأكبر من أرض فلسطين، لكنّها فشلت فشلا ذريعا في إلغاء الشعب الفلسطيني. هذا الشعب الذي لا يزال يؤكّد يوميا أنّه موجود على الخارطة السياسية للشرق الأوسط وأنّ لديه حقوقه المشروعة.

قضت إسرائيل على حلم الدولة الفلسطينية المستقلّة أم لم تقض عليه. عاجلا أم آجلا، ستواجه إسرائيل ما هربت منه دائما، أي الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني استنادا إلى ما ورد في وعد بلفور نفسه. أخذت إسرائيل من الوعد ما ناسبها وتركت ما ورد فيه عن أن “لا شيء يجب أن يعمل من أجل الإساءة إلى الحقوق المدنية والدينية لغير اليهود الموجودين في فلسطين”.

قصة وعد بلفور المرتبط مباشرة باتفاق سايكس – بيكو، الذي أبصر النور قبله بسنة، هي قصة الفرص الفلسطينية والعربية الضائعة. لكنّها أيضا قصّة شعب موجود يرفض الاستسلام على الرغم من كل ما ارتكب في حقّه وعلى الرغم أيضا من الأخطاء الكبيرة التي ارتكبها قادته في حق نفسهم أوّلا وحق الأردن ولبنان وحتى الكويت في مراحل معيّنة.

لم يستطع الفلسطينيون والعرب مواجهة المشروع الصهيوني في يوم من الأيّام. عملوا كلّ شيء من أجل تسهيل التوسّع الإسرائيلي الذي تعبّر عنه بعض الأرقام المتعارف عليها. من بين هذه الأرقام أن نسبة اليهود في فلسطين لم تكن تتجاوز التسعة في المئة لدى صدور وعد بلفور، لكن هذه النسبة ارتفعت من تسعة في المئة إلى اثنين وعشرين في المئة بين العامين 1922 و1935.

ناضل الفلسطينيون طويلا ومازالوا يناضلون من أجل تحقيق حلمهم الذي تقلّص مع الوقت. من المطالبة بكلّ فلسطين… إلى القبول بدولة على ما لا يزيد على عشرين في المئة من أرض فلسطين. لم يساعدهم العرب يوما في التفريق بين الحقيقة والخيال، بين الممكن والمستحيل، بين ما تسمح به المعطيات الإقليمية والدولية وبين ما لا يمكن أن تسمح به. في المقابل، اتكل قادة إسرائيل على الجهل العربي والفلسطيني الذي كان وراء رفض قرار التقسيم في العام 1947 ثمّ وراء الدخول في حرب شاملة في 1948 بعد إعلان قيام دولة إسرائيل واعتراف الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي والدول الأوروبية بها.

لم تتوفّر لدى الفلسطينيين والعرب في أي يوم من الأيّام المعلومات الضرورية عن عدد الجيش الإسرائيلي أو نوع الأسلحة التي يملكها وكمّيتها.

كانت حرب 1967 فضيحة الفضائح، خصوصا عندما تصرف زعيم عربي في حجم جمال عبدالناصر بطريقة أقل ما يمكن أن توصف به أنّه جاهل في السياسة الدولية والاقتصاد والعلم العسكري. لم يكن ناصر في نهاية المطاف سوى ضابط آخر لا همّ له سوى الدفاع عن النظام الذي أقامه. أمّا فلسطين، فلم تكن بالنسبة إليه سوى ذريعة لقمع مصر والمصريين والتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية الأخرى بهدف قلب الأنظمة فيها. كلّ الأنظمة التي قلبها ناصر، بدءا بالنظام الملكي في العراق، كانت أفضل بكثير من النظام الذي أقامه في مصر. ماذا بقي من قضية فلسطين بعد مئة عام على وعد بلفور؟

لم يبق سوى الشعب الفلسطيني الذي لا يزال صامدا في منطقة تبدلت فيها الأولويات بعدما كانت القضية الفلسطينية لب القضايا كلهّا. استطاعت إسرائيل التآمر مع حافظ الأسد من أجل بقاء الجولان محتلا، بعد تسليمه لها تسليم اليد، ومن أجل تفويت كلّ الفرص التي كان يمكن للفلسطينيين استغلالها لتحقيق إنجاز ما، خصوصا في المرحلة التي سبقت توقيع المعاهدة المصرية – الإسرائيلية في العام 1979. فرحت إسرائيل بخطف إيران القضية الفلسطينية من العرب وتبنيها “يوم القدس”. فرحت أكثر قبل ذلك عندما اعتبر العرب منظمة التحرير الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني عام 1974. وجه ذلك ضربة قويّة القرار 242 الذي كان يمكن للأردن استخدامه للمطالبة بانسحاب إسرائيلي من الضفّة الغربية التي احتلت مع القدس فيما كانت تحت السيادة الأردنية وليس تحت سيادة منظمة التحرير. وقّع الأردن اتفاق سلام مع إسرائيل في العام 1994. أنقذ الملك حسين، رحمه الله، المملكة الهاشمية وقضى على حلم “الوطن البديل”.

    في مئة عام تغيّر الشرق الأوسط وتغيّرت طبيعة المجتمع الإسرائيلي. وفي مئة عام لم يتغيّر شيء أساسي هو وجود الشعب الفلسطيني

يمكن إدراج محطات كثيرة ساهمت في تغيير الشرق الأوسط في مئة عام وصولا إلى المرحلة الراهنة التي تتميّز بسدّ الاستيطان الزاحف لكل أبواب خيار الدولتين من جهة ووجود قيادة فلسطينية أكل الدهر عليها وشرب من جهة أخرى.

في مئة عام تغيّر الشرق الأوسط وتغيّرت طبيعة المجتمع الإسرائيلي. وفي مئة عام لم يتغيّر شيء أساسي هو وجود الشعب الفلسطيني. ما العمل بهذا الشعب؟ حسنا، ترفض إسرائيل كما هو واضح خيار الدولتين ولكن هل في استطاعتها أن تكون دولة ديموقراطية، وليس دولة عنصرية، في غياب تسوية تترجم وجود الشعب الفلسطيني على الخارطة السياسية للشرق الأوسط؟

حقّق هذا الوجود السياسي ياسر عرفات، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، الذي يظلّ على الرغم من كلّ الأخطاء التي ارتكبها، خصوصا في لبنان والأردن والكويت ومرحلة ما بعد توقيع اتفاق أوسلو، رمزا لكلّ فلسطيني في الداخل والخارج.

لم تستطع إسرائيل الحصول على اعتراف فلسطيني بها في يوم من الأيّام. ربحت كلّ الحروب التي خاضتها، لكنها لم تربح ولن تربح الحرب الأخيرة التي تحتاج إلى إلغاء للشعب الفلسطيني. في النهاية ليس سهلا إلغاء شعب من الوجود. القضية ليست قضية فولكلورية من نوع عرض مفاتيح المنازل التي لا يزال يحتفظ بها فلسطينيون هجروا من أرضهم في العام 1948. القضية مرتبطة بصمود شعب، موجود في أراضي 1948، شعب مازالت ردة فعله على وعد بلفور هي نفسها منذ مئة عام. هل تستطيع إسرائيل إلغاء شعب بكامله من الوجود وأن تدّعي في الوقت ذاته أنّها دولة ديموقراطية؟ لو كان ذلك ممكنا لما كان كلّ فلسطيني يتذكّر في كلّ سنة وعد بلفور ويلعنه…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وعد بلفور نجاح إسرائيل وفشلها وعد بلفور نجاح إسرائيل وفشلها



GMT 20:52 2020 الأربعاء ,03 حزيران / يونيو

اسرائيل تواجه الفلسطينيين ونتانياهو يواجه القضاء

GMT 14:09 2020 الخميس ,30 كانون الثاني / يناير

عملية السلام الاميركية غير قابلة للتنفيذ

GMT 16:57 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العالم كله يدين الاحتلال الاسرائيلي

GMT 10:15 2019 الأربعاء ,07 آب / أغسطس

الصراع على «المنطقة ج»

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 12:22 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

شركة "مصر للطيران" تستعد لاستقبال 33 طائرة جديدة

GMT 08:59 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

"شيوكو" أصغر الجزر الرئيسية الأربع في اليابان

GMT 00:19 2020 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

نفيديا تُعلن عن أول شاشة 360Hz

GMT 17:16 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

البرازيلي أليسون أفضل حارس في استفتاء الكرة الذهبية 2019

GMT 02:01 2019 الأحد ,03 آذار/ مارس

ديكورات غرف نوم أبناء النجمات

GMT 15:14 2019 الإثنين ,28 كانون الثاني / يناير

أنباء عن زيارة الملك محمد السادس لمراكش الثلاثاء

GMT 18:54 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

تعرّف على المُخدر الذي استخدمه راقي بركان للايقاع بضحاياه

GMT 14:29 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرفي على أجمل ديكورات الجبس للمجالس داخل منزلك

GMT 04:16 2018 الثلاثاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أم تستفيق بين أحضان طفلها بعد 23 يومًا من الغيبوبة

GMT 09:08 2018 الأربعاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

5000 بحيرة في النمسا تتقاسم الجمال الطبيعي والسُياح
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya