مجازفة انتزاع العراق من إيران

مجازفة انتزاع العراق من إيران

المغرب اليوم -

مجازفة انتزاع العراق من إيران

بقلم : خيرالله خيرالله

ماذا يقدم أو يؤخّر أن يكـون رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في واشنطن للقاء الرئيس دونالد ترامب. هل يمكن الرهان على الرجل في انتزاع العراق من إيران. بكلام أوضح هل في الإمكان استعادة العراق؟

تزداد صعوبة الرهان على استعادة العراق مع ما يجري في الموصل. لا شكّ ان استيلاء داعش على هذه المدينة العراقية العريقة صيف العام 2014، بتسهيل من حكومة نوري المالكي، كان مأساة. لكنّ ممارسات الحشد الشعبي، الذي بات جزءا من مؤسسات الدولة العراقية الجديدة بحق أهل الموصل، بات استمرارا للمأساة. هناك عملية تهجير منظّمة ومدروسة لأهل المدينة من منطلق مذهبي. تمـارس هذه العملية تحت عنوان عريض هو تحرير الموصل من داعش. يظهر كأن الحشد الشعبي هو المستفيد الأوّل من داعش، فيما العكس صحيح أيضا…

يبدو الرهان على استعادة العراق، وهو رهان أميركي ـ سعودي، مجازفة كبيرة، إلّا إذا تبيّن أنه كانت لدى المملكة ما يكفي من المعطيات كي يذهب وزير خارجيتها عادل الجبير الشهر الماضي إلى بغداد ويبحث في إمكان الانتقال إلى مرحلة جديدة في مجال ترميم العلاقات الخليجية ـ العراقية.

ما يدعو إلى عدم الإغراق في التفاؤل أن العبادي نفسه عضو في حزب الدعوة الإسلامية ذي العلاقة العضوية مع النظام الإيراني من جهة وعمق الوجود الإيراني في العراق الذي تجسّده حال ميليشيوية هي الحشد الشعبي من جهة أخرى. من شروط الرهان على استعادة العراق وضع الحشد الشعبي عند حدّه. هل هذا ممكن؟ هل في استطاعة حيدر العبادي ذلك؟

أكثر من ذلك، لا يمكن تجاهل أنّ العراق تغير جذريا منذ العام 2003، أي قبل أربعة عشر عاما بالتمام والكمال. ففي مثل هذه الأيام من ذلك العام، بدأت الحرب الأميركية على العراق بهدف إسقاط نظام صدام حسين وتشكيل نظام جديد، يكون نموذجا لما يجب أن تكون عليه دول المنطقة.

كان الحلم الأميركي يتمثّل في قيام عراق ديموقراطي تعددي على كل الصعد تقتدي به دول المنطقة. تحوّل هذا الحلم إلى كابوس. كانت المغامرة الأميركية في العراق، بمشاركة إيرانية مباشرة، وغير مباشرة، كارثة على المنطقة العربية كلّها، بما في ذلك العراق نفسه الذي بات تحت حكم ميليشيات مذهبية تابعة لأحزاب عراقية مرتبطة مباشرة بالمشروع الإيراني. هذا ليس سرّا. ليس سرّا أيضا إن زعماء هذه الميليشيات قاتلوا إلى جانب “الحرس الثوري” الإيراني في الحرب العراقية ـ الإيرانية بين عامي1980 و1988. هذا يعني بكل بساطة أن الحشد الشعبي أداة إيرانية تتحكم بالعراق. ما موقف رئيس الوزراء العراقي الموجود في واشنطن من هذا المكوّن الذي صار مؤسسة من مؤسسات الدولة العراقية، بل المؤسسة الأقوى في هذه الدولة.

على الرغم من ذلك كله لم يكن هناك مفر من الرهان على إعادة العراق إلى وضعه الطبيعي بعيدا عن إيران مجددا، لا لشيء سوى لأنه لم يكن لدى إيران ما تقدمه للعراق والعراقيين باستثناء الفقر وإنعاش الغرائز المذهبية والميليشيات وثقافتها. لكن ما لا يمكن تجاهله في الوقت ذاته أن إيران خلقت واقعا على الأرض العراقية. جعلت ميليشياتها صاحبة اليد الطولى في كلّ أنحاء البلد. استطاعت إيران تشريع هذه الميليشيات التي صارت جزءا لا يتجزّأ من مؤسسات الدولة، هذا إذا كان في الإمكان الكلام عن دولة عراقية بعد كل عمليات التطهير ذات الطابع المذهبي التي طاولت المدن والمناطق العراقية من جهة، وفي ضوء الشرخ العميق بين السنّة والشيعة وبين النظام القائم في بغداد والأكراد من جهة أخرى.

سيتوقف الكثير على من ستكون له الكلمة الأخيرة في معركة الموصل. ستلحق هزيمة بـ“داعش” في الموصل. هذا أمر أكيد. ولكن من سيكون صاحب الانتصار. الميليشيات المذهبية الموالية لإيران تحت تسمية الحشد الشعبي، أم القوات النظامية العراقية المدعومة أميركيا؟

يتوقف على نتيجة معركة الموصل ما إذا كان خروج العراق من الهيمنة الإيرانية رهانا واقعيا أم لا. ما يمكن أن يلعب دورا لمصلحة هذا الرهان أنّ الإدارة الأميركية الحالية ليست مثل إدارة باراك أوباما التي أطلقت يد إيران في كل المنطقة العربية وقررت في مرحلة معينة الاستسلام لها في العراق.

الأهم من ذلك كله، أن إيران تعاني في هذه الأيام من أزمة سياسية واقتصادية عميقة بدأت تظهر نتائجها في غير مكان من المنطقة، بما في ذلك لبنان حيث يعاني المعتاشون من “المال النظيف” من انعكاسات الفشل الإيراني. فشلت إيران فشلا مدويا في بناء اقتصاد قادر على الحياة لا يعتمد على سعر النفط والغاز. عاشت طويلا على نهب العراق، خصوصا في أيّام حكم نوري المالكي. لم يعد العراق قادرا على مساعدة نفسه بعد تبخر مئات مليارات الدولارات في سنوات حكم المالكي.

سيكون من الصعب إعادة العراق إلى العراقيين. ولكن لا بدّ من المحاولة، على الرغم من أنّ الأمل في النجاح ضئيل. العراق يستأهل المحاولة، ذلك أن سقوطه في 2003 أخلّ بالتوازن الإقليمي بشكل جذري. ما يعيشه الشرق الأوسط والخليج اليوم هو استمرار للزلزال الذي بدأ باحتلال العراق من دون تفكير عميق في الخطوة التالية.

حسنا، رحل صدام حسين ونظامه البائس، ولكن هل الميليشيات المذهبية التي تديرها إيران بديل أفضل؟ هل حيدر العبادي قادر على أن يكون لكل العراق ولكل العراقيين بثقافته المحدودة ذات الطابع المذهبي؟

لا خيار آخر غير المحاولة. الأكيد أن نتائج معركة الموصل والرحلة الأميركية لرئيس الوزراء العراقي ستكشفان ما إذا كان في استطاعة حيدر العبادي التصرف خارج الإطار الذي ترسمه إيران عن طريق الحشد الشعبي. أما الامتحان الأهم فانه سيكون القمة العربية التي يستضيفها الأردن قبل نهاية الشهر الجاري. سيُطرح في هذه القمة موضوع التدخلات الإيرانية في الشؤون العربية. لدى إيران ميليشيات مذهبية تابعة لها في سوريا ولبنان والعراق والبحرين واليمن. إضافة إلى ذلك، تحتل إيران ثلاث جزر إماراتية منذ العام 1971 وترفض أي تفاوض في شأن زوال الاحتلال، تماما كما تفعل إسرائيل في الضفة الغربية. ما الموقف العراقي الرسمي من هذه الميليشيات ومن الاحتلال الإيراني لأرض عربية، أم أنّ هذه الميليشيات هي التي تعبّر، عمليا، عن الموقف الرسمي العراقي؟

أيّام قليلة تفصل عن القمّة العربية. سيظهر هل من تـأثير للرحلة الأميـركية لحيدر العبادي وهل من ثمار للزيارة التي قام بها الوزير عـادل الجبير لبغداد. سيظهر عمليا ما إذا كان هنـاك من بقية أمل في إحياء الروح الوطنية العراقية عند السنة وعند الشيعة في العراق، وهو أمل حاولت إيران القضاء عليه نهائيا عبر جعل ميليشياتها المنضوية تحت تسمية “الحشد الشعبي” بديلا عن كل مؤسسات الدولة العـراقية على رأسهـا رئاسة مجلس الوزراء التي يفترض أن تكون قد احتكرت كل السلطات في البلد.

المصدر : صحيفة العرب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مجازفة انتزاع العراق من إيران مجازفة انتزاع العراق من إيران



GMT 18:13 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

لا ثقة بحكومة حسّان دياب

GMT 15:45 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أوراق إيران التي ذبلت

GMT 09:52 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

أكثر من أي وقت… نفتقد نسيب لحّود

GMT 09:43 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

سقوط آخر لبريطانيا

GMT 09:51 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

عندما يهرب لبنان إلى "صفقة القرن"

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 12:22 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

شركة "مصر للطيران" تستعد لاستقبال 33 طائرة جديدة

GMT 08:59 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

"شيوكو" أصغر الجزر الرئيسية الأربع في اليابان

GMT 00:19 2020 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

نفيديا تُعلن عن أول شاشة 360Hz

GMT 17:16 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

البرازيلي أليسون أفضل حارس في استفتاء الكرة الذهبية 2019

GMT 02:01 2019 الأحد ,03 آذار/ مارس

ديكورات غرف نوم أبناء النجمات

GMT 15:14 2019 الإثنين ,28 كانون الثاني / يناير

أنباء عن زيارة الملك محمد السادس لمراكش الثلاثاء

GMT 18:54 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

تعرّف على المُخدر الذي استخدمه راقي بركان للايقاع بضحاياه

GMT 14:29 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرفي على أجمل ديكورات الجبس للمجالس داخل منزلك

GMT 04:16 2018 الثلاثاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أم تستفيق بين أحضان طفلها بعد 23 يومًا من الغيبوبة

GMT 09:08 2018 الأربعاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

5000 بحيرة في النمسا تتقاسم الجمال الطبيعي والسُياح
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya