أميركا والعراق السهل والصعب

أميركا والعراق.. السهل والصعب

المغرب اليوم -

أميركا والعراق السهل والصعب

بقلم - خيرالله خيرالله

من السهل الكلام عن الأخطاء التي ارتكبها بوش الابن وباراك أوباما. الصعب هو إصلاح هذه الأخطاء التي أدت إلى المآسي الحالية في العراق وسوريا ولبنان وحتى في اليمن.

في مثل هذه الأيام قبل خمسة عشر عاما، كانت الدبابات الأميركية في طريقها إلى بغداد انطلاقا من الجنوب العراقي. بلغت العاصمة العراقية في التاسع من نيسان – أبريل. سقط النظام الذي أقامه صدّام حسين في ذلك اليوم مع سقوط تمثاله الذي هجم عليه وحطّمه مواطنون عاديون لا يعرفون ما الذي يخبئه لهم اليوم التالي. لم تعرف أميركا نفسها التي خاضت تلك الحرب المكلفة ما الذي كان يخبئ اليوم التالي لها وللمنطقة كلّها. لا يزال لغز حرب العراق لغزا مستمرا إلى يومنا هذا.

ما الذي جعل إدارة جورج بوش الابن تربط العراق بأحداث الحادي عشر من أيلول – سبتمبر 2001 وتختلق كلّ نوع من الأكاذيب كي تجد لنفسها مبرّرا لخطوة اجتياح العراق… من دون أن تكون أعدّت نفسها لمرحلة ما بعد الاجتياح؟

كان ذلك اليوم، اليوم التالي لإسقاط نظام غير مأسوف عليه، يخبئ بداية النهاية للعراق الذي لم يعرف يوما أبيض منذ انقلاب الرابع عشر من تموز – يوليو 1958، منذ حصول مجزرة قصر الرحاب وحلول العسكر مكان النظام الملكي. كان النظام الملكي في ظلّ الأسرة الهاشمية الضمانة الوحيدة للمحافظة على وحدة العراق، فضلا عن أنه كان يوفر فرصة لتطوير النظام تدريجيا بعيدا عن القمع والقهر والسحل وتخلّف العسكر والبعث، ثمّ الأحزاب المذهبية…

الانتصارات التي تحققها إيران، مستخدمة أدواتها المحلّية، ما كانت لتتحقق على العراقيين والسوريين واللبنانيين، لولا سقوط العراق في مثل هذه الأيّام من العام 2003

جاءت نهاية العراق على مراحل، وصولا إلى اليوم الذي استطاعت إيران تحقيق ما تصبو إليه بفضل الأميركيين. حملت الدبابات الأميركية إلى بغداد قادة الميليشيات التابعة لأحزاب مذهبية عراقية قاتلت إلى جانب الإيرانيين في حرب 1980- 1988. دخل العراقيون الموالون للنظام الإيراني، من منطلق مذهبي، بغداد على الدبابة الأميركية. شيئا فشيئا تحوّلوا إلى المنتصر الوحيد من الحرب الأميركية على العراق.

كان سقوط العراق في يد إيران بمثابة الانطلاقة الثانية للمشروع التوسّعي الإيراني الذي بدأ مع إعلان قيام “الجمهورية الإسلامية” بعد سقوط الشاه في شباط – فبراير 1979 أمام ثورة شعبية حقيقية، عرف آية الله الخميني كيف يخطفها ويقيم نظاما في أساسه نظرية “ولاية الفقيه”. ما نشهده اليوم في العراق، هو نتيجة طبيعية لحرب خاضتها إدارة جورج بوش الابن، بمشاركة إيرانية، من دون أيّ تقدير لعواقبها أو للنتائج التي يمكن أن تسفر عنها. كانت هذه النتائج على الصعيدين العراقي والإقليمي.

غير سقوط العراق في يد إيران التوازن الإقليمي تغييرا جذريا. انهار ما كان يصفه الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران بـ“الحدود التاريخية” التي يزيد عمرها على خمسمئة سنة بين حضارتين كبيرتين هما الحضارة العربية والحضارة الفارسية.

بعد خمسة عشر عاما على سقوط العراق، هل يمكن القول إن أميركا تعلّمت شيئا من تلك التجربة؟ الجواب بكلّ بساطة أنّ ليس ما يشير إلى أنها تعلّمت. اللهم إلا إذا أقدم دونالد ترامب على خطوة تؤكد أن إدارته تختلف عن إدارتي جورج بوش الابن وباراك أوباما. سلّمت إدارة بوش الابن العراق إلى إيران، في حين تولت إدارة أوباما مباركة عملية التسليم هذه عن طريق خطوات عملية. بدأت هذه الخطوات بالانسحاب العسكري الأميركي من العراق وقبول أن يكون نوري المالكي رئيسا للوزراء لفترة جديدة بعد حلوله ثانيا في انتخابات العام 2010 وراء قائمة الدكتور إياد علاوي.

قد يكون الجواب الأكثر دقّة أن إدارة ترامب يمكن أن تكون أقدمت نظريا على خطوة أولى في اتجاه التعلّم من التجربة العراقية بعد التموضع العسكري الذي قامت به في سوريا. مثل هذا التموضع العسكري في “سوريا المفيدة” يمكن أن يؤدي في المستقبل إلى قطع الطريق على قيام خط إمداد إيراني بين العراق، الذي يسيطر عليه “الحشد الشعبي” في العراق، والأراضي السورية التي تنتشر فيها، هي الأخرى، ميليشيات إيرانية من جنسيات مختلفة بينها ميليشيات إيرانية وأخرى لبنانية مثل “حزب الله”.

سقوط العراق في يد إيران بمثابة الانطلاقة الثانية للمشروع التوسّعي الإيراني الذي بدأ مع إعلان قيام “الجمهورية الإسلامية” بعد سقوط الشاه في شباط – فبراير 1979

باستثناء السيطرة على “سوريا المفيدة”، أي سوريا الواقعة شرق الفرات، والتصدي بعنف لأيّ طرف يسعى إلى الاقتراب من تلك المنطقة، تتفرج أميركا على مأساة الغوطة الشرقية. تشبه تلك المأساة مآسي أخرى في العراق ولبنان. في العراق، انتصر “الحشد الشعبي” على “داعش” في الموصل. أدخل نوري المالكي “داعش” إلى الموصل وتولّت الميليشيات التابعة لأحزاب عراقية تتلقّى أوامرها من طهران تدمير مدينة عراقية كبيرة… فيما أميركا تتفرّج.

في العراق، هناك انتصار إيراني على العراقيين، عبر “الحشد الشعبي”، باسم الانتصار على “داعش”. وفي لبنان، هناك انتصار إيراني، عبر “حزب الله”، على اللبنانيين، باسم الانتصار على إسرائيل. في سوريا، هناك انتصار إيراني، عبر سلاح الجو الروسي وميليشيات النظام، على الشعب السوري باسم التخلص من “التكفيريين”.

كلّ هذه الانتصارات التي تحققها إيران، مستخدمة أدواتها المحلّية، ما كانت لتتحقق على العراقيين والسوريين واللبنانيين، لولا سقوط العراق في مثل هذه الأيّام من العام 2003.

الأكيد أن هناك تغييرات كبيرة تجري في واشنطن حيث دارت حرب أهلية داخل الإدارة. انتهت هذه الحرب، وربّما لم تنته كلّيا بعد، بخروج ركس تيلرسون من الخارجية وحلول مايك بومبيو مكانه. كذلك، حل جون بولتون في موقع مستشار الأمن القومي مكان الجنرال هربرت مكماستر الذي اصطدم بجاريد كوشنر صهر ترامب.

ما يجمع بين بومبيو وبولتون هو العداء لإيران وسياساتها ومشاريعها. وهذا ما تكشفه مواقف الرجلين في السنوات القليلة الماضية. هل يعني ذلك الانتقال من الكلام إلى الفعل؟ من السهل الكلام عن الأخطاء التي ارتكبها بوش الابن وباراك أوباما. الصعب هو إصلاح هذه الأخطاء التي أدت إلى المآسي الحالية في العراق وسوريا ولبنان وحتى في اليمن.

كان مهمّا أن يبدأ البيت الأبيض، على هامش زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان، الربط بين الحوثيين في اليمن و“الحرس الثوري” الإيراني. هذا تطوّر مهمّ يدفع إلى التساؤل هل بدأت تتشكل إدارة أميركية قادرة على استيعاب تعقيدات الشرق الأوسط، خصوصا تلك الناجمة عن قرار جورج بوش الابن القاضي باحتلال العراق، ثم قرار أوباما القاضي باختزال كلّ أزمات المنطقة بالملف النووي الإيراني؟

تكمن نقطة البداية في الاقتناع بأنّ الموضوع ليس موضوع تصريحات نارية لا ترجمة لها على أرض الواقع. يصعب الرهان على من يتفرّج على إبادة الشعب السوري في الغوطة الشرقية وتهجيره من أرضه. يصعب في الواقع فهم كيف تستطيع إدارة أميركية، تدّعي أنها تعرف تماما ما ارتكبته إيران منذ العام 1979، الوقوف مكتوفة حيال ما يجري على الأرض السورية. لعل أصعب ما في الأمر أنّ أميركا موجودة عسكريا في سوريا، كما أنّها موجودة في العراق. هل وجودها دليل على أنّها ترفض أن تكون أكثر من شاهد زور على إعادة تشكيل الشرق الأوسط في ظلّ الميليشيات المذهبية التابعة لإيران بغطاء من سلاح الجوّ الروسي… ومشاركة تركية، ورسائل إسرائيلية ليس معروفا بعد ما هو البعد الذي ستتخذه؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا والعراق السهل والصعب أميركا والعراق السهل والصعب



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 12:22 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

شركة "مصر للطيران" تستعد لاستقبال 33 طائرة جديدة

GMT 08:59 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

"شيوكو" أصغر الجزر الرئيسية الأربع في اليابان

GMT 00:19 2020 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

نفيديا تُعلن عن أول شاشة 360Hz

GMT 17:16 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

البرازيلي أليسون أفضل حارس في استفتاء الكرة الذهبية 2019

GMT 02:01 2019 الأحد ,03 آذار/ مارس

ديكورات غرف نوم أبناء النجمات

GMT 15:14 2019 الإثنين ,28 كانون الثاني / يناير

أنباء عن زيارة الملك محمد السادس لمراكش الثلاثاء

GMT 18:54 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

تعرّف على المُخدر الذي استخدمه راقي بركان للايقاع بضحاياه

GMT 14:29 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرفي على أجمل ديكورات الجبس للمجالس داخل منزلك

GMT 04:16 2018 الثلاثاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أم تستفيق بين أحضان طفلها بعد 23 يومًا من الغيبوبة

GMT 09:08 2018 الأربعاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

5000 بحيرة في النمسا تتقاسم الجمال الطبيعي والسُياح
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya