نكبة غزة التي صنعها الإخوان

'نكبة غزة' التي صنعها الإخوان

المغرب اليوم -

نكبة غزة التي صنعها الإخوان

بقلم : خيرالله خيرالله

ليس حزيران – يونيو 2017، ذكرى مرور نصف قرن على هزيمة العام 1967، بل هو أيضا ذكرى مرور عشر سنوات على قيام وضع فلسطيني جديد يتمثّل في انفصال غزّة عن الضفة الغربية. هل يمكن اعتبار هذا الوضع الجديد طبيعيا إلى درجة بات يترتب على الفلسطينيين والعرب التعاطي معه؟

يبدو الأمر كذلك إذا انطلقنا من أن “حماس” مستعدة للدفاع عن “الإمارة الإسلامية” بكل ما لديها من إمكانات، وذلك بغض النظر عما إذا كانت ستتمكن يوما من وضع الضفة الغربية تحت سلطتها أيضا؟

يبدو الأمر كذلك، أيضا، إذا أخذنا في الاعتبار تاريخ “حماس” التي ليست سوى الفرع الفلسطيني لتنظيم الإخوان المسلمين. يمتلك الإخـوان شبقا لا مثيل له إلى الاستحواذ على السلطة على أي بقعة أرض عربية.

في فصل من كتابه الأخير وعنوانه “عن الفلسطينيين فقط – جدلية النجاح والفشل” يشرح مروان كنفاني الذي بقي طويلا مستشارا لياسر عرفات الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، كيف لم يستطع الفلسطينيون الاتفاق يوما على قيادة موحّدة. بسبب غياب مثل هذا الاتفاق أيّام المفتي أمين الحسيني الذي قاد النضال الفلسطيني في مرحلة ما قبل “النكبة”، لم يحصل فهم لمعنى قرار التقسيم في 1947.

قاد العجز عن فهم مغزى القرار إلى”النكبة” في 1948 وصولا إلى احتلال القدس والضفة الغربية في 1967. من المقاطع المهمّة في الكتاب تلك التي يرى مروان كنفاني أنّها مهدت لانفصال غزّة عن الضفة الغربية، بدءا بالأحداث التي وقعت مباشرة بعد دخول ياسر عرفات إلى القطاع في شهر تموز – يوليو من العام 1994.

وقعت تلك الأحداث في تشرين الثاني – نوفمبر من تلك السنة. شهدت تلك المرحلة الصدامات الكبيرة الأولى بين “فتح” و“حماس” وكشفت أن لا هدف لـ“حماس” سوى التخريب على السلطة الوطنية. كان مأخذ “حماس” على “فتح” أنها قدمت تنازلات “مشينة” لإسرائيل.

كانت نقطة التحول التظاهرة التي نظمتها “حماس” في غزة يوم الثامن عشر من نوفمبر 1994 وانتهت بصدام مع السلطة الوطنية وأجهزتها ومقتل اثني عشر شخصا كانوا بين المتظاهرين.

لم يكن ياسر عرفات إلغائيا. لم يرد يوما القضاء على “حماس” التي انتظرت طويلا كي تنتقم أخيرا من “فتح” ومن السلطة الوطنية وإخراجهما من غزة بعد انتخابات تشريعية أجريت في العام 2006.

سعى ياسر عرفات قبل وفاته في خريف 2004 إلى تأجيل الانتخابات. فعل ذلك بسبب شعوره بأن هناك من يسعى، في الولايات المتحدة وأوروبا، بالاتفاق مع إسرائيل، إلى الانتهاء من السلطة الوطنية ومن “فتح” ومن شخص ياسر عرفات بالذات بالوسائل الديمقراطية، أي عبر صناديق الاقتراع. كان محقّا في ذلك. حققت “حماس” في 2006 ما عجزت عن تحقيقه عندما كان “أبوعمّار” لا يزال حيّا يرزق.

هناك مقاطع كثيرة في كتاب مروان كنفاني تساعد في فهم الواقع الفلسطيني الراهن، وهو واقع محزن. لكنّ الخط الذي يربط بين أحداث كثيرة هو ذلك الذي يؤكّد أن “حماس” لا تسعى، ولم تسع يوما، سوى إلى السلطة وإلى التفرّد بها، فهي رفضت المشاركة في انتخابات 1996 لأنها كانت تدرك أنّها لن تفوز فيها. استخدمت كلّ الشعارات “الوطنية”، بما في ذلك “تخوين” حركة “فتح” وكل نوع من أنواع المزايدات من أجل تبرير رفضها للمشاركة في تلك الانتخابات. ولكن، عندما علمت في 2006 أن نتائج الانتخابات ستكون في مصلحتها، شاركت فيها ولم تعد تقيم أي اعتبار للأسباب التي جعلتها تقاطع انتخابات 1996.

كانت انتخابات 2006 في الأراضي الفلسطينية جزءا من تفاهم بين الإدارة الأميركية والإخوان المسلمين في مصر. هذا ما يكشفه الكتاب الذي جاء فيه أن “في الاتصالات المتطورة السرّية بين الطرفين (الإدارة الأميركية والإخوان في مصر) والتي استمرّت لفترات طويلة تم بحث نقاط كثيرة، كان أهمها من الجانب الأميركي ضرورة استبعاد المنظمات الإسلامية الجهادية ومشاركة الإخوان في انتخابات ديمقراطية للوصول إلى الحكم، والمحافظة على مصالح الولايات المتحدة الاقتصادية والسياسية وتحالفاتها في المنطقة، وعدم تعرض حكومات الإخوان لحرية الملاحة في قناة السويس، ووقف التحريض والتهديد الموجهين إلى إسرائيل (…)”.

رحل الإخوان عن السلطة في مصر وذلك بعد ثورة شعبية في العام 2013 لكنّهم بقوا يتحكمون بقطاع غزّة. يحاول الإخوان في غزّة أن يؤكدوا لمصر هذه الأيّام أن لا علاقة لهم بالإخوان. لن ينطلي ذلك على أحد. لا على مصر ولا على المسؤولين العرب الواعين الذين يعرفون حقيقة “حماس” والمهمّة التي خلقت من أجلها أصلا.

لا يمكن إلا شكر مروان كنفاني على الربط بين صعود “حماس” في غزّة من جهة، والاتصالات الأميركية بالإخوان في مصر في مرحلة معيّنة سبقت سقوط حكم حسني مبارك من جهة أخرى. مثل هذا الربط ضروري لفهم أمور كثيرة من بينها تلك العلاقة بين مصر وغزة والدور الذي لعبته “حماس” بالتفاهم مع إيران في مرحلة التمهيد لإسقاط حسني مبارك الذي تميّزت السنوات العشر الأخيرة من حكمه بكثير من الغباء السياسي والسطحية. في كل الأحوال، بعد عشر سنوات من قيام حكم الإخوان المسلمين لغزة، يمكن الخروج ببعض الاستنتاجات التي لا تصبّ سوى في خدمة إسرائيل.

قبل كلّ شيء، هناك شرخ فلسطيني يتكرّس يوميا، خصوصا في ظل سلطة وطنية دخلت مرحلة متقدمة من الترهل. لكنّ ذلك يبقى أمرا ثانويا إذا نظرنا إلى الدور الذي لعبته “حماس”، منذ ما قبل وضع يدها على قطاع غزة، في إفشال المشروع الوطني الفلسطيني. ففي صيف العام 2005، انسحبت إسرائيل من غزة. انسحبت من كل القطاع. فكّكت المستعمرات التي أقامتها فيه. لم يكن الانسحاب عملا بريئا وقف خلفه أرييل شارون رئيس الوزراء وقتذاك. كان الهدف يتمثل بالخروج من غزّة بغية الإمساك بطريقة أفضل بالضفة الغربية والقدس الشرقية.

بدل أن تساعد “حماس” في قيام كيان فلسطيني في غزة، يكون نواة لدولة فلسطينية نموذجية، عمل قادتها كل ما يستطيعون عمله للقول للعالم إن الفلسطينيين لا يستأهلون دولة. بدأوا بنشر فوضى السلاح في غزّة وصولا إلى انقلاب منتصف حزيران – يونيو 2007، مرورا بإطلاق الصواريخ العشوائية التي بررت لإسرائيل فرض حصار على القطاع وخنق المواطنين الفلسطينيين المقيمين فيه، فضلا عن إطلاق شعار “لا وجود لشريك فلسطيني” في عملية السلام.

بعد عشر سنوات في غزة حقق الإخوان المسلمون هدفهم. سيبقون عشر سنوات أخرى في القطاع مكافأة على ما حققوه من نجاحات منقطعة النظير في مجال ضرب المشروع الوطني الفلسطيني ونشر البؤس والجهل والتخلّف على كل صعيد. الأهمّ من ذلك كلّه، لن تخسر إسرائيل شيئا عندما تكون “حماس” بملثميها واجهة الشعب الفلسطيني وصورته في العالم. الثابت أن لا شيء سيمنع “حماس” من الاحتفال بـ“نكبة غزّة” ما دام المهم الوصول إلى السلطة وممارستها بوجود كهرباء أو من دون كهرباء…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نكبة غزة التي صنعها الإخوان نكبة غزة التي صنعها الإخوان



GMT 18:13 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

لا ثقة بحكومة حسّان دياب

GMT 15:45 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أوراق إيران التي ذبلت

GMT 09:52 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

أكثر من أي وقت… نفتقد نسيب لحّود

GMT 09:43 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

سقوط آخر لبريطانيا

GMT 09:51 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

عندما يهرب لبنان إلى "صفقة القرن"

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 19:47 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

كلوب - تراوري لا يُصدَق- أحيانا لا يمكن إيقافه

GMT 16:19 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

كيف تفهم نفسك

GMT 09:47 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

فوز كبير للمنتخب المغربي على نظيره التونسي

GMT 19:25 2019 الجمعة ,12 إبريل / نيسان

مكاسب معنوية ومادية خلال الشهر

GMT 23:59 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

معلول يؤكد أهمية فوز المنتخب التونسي على بنما
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya