من لعنة حماة إلى لعنة سوريا

من لعنة حماة.. إلى لعنة سوريا

المغرب اليوم -

من لعنة حماة إلى لعنة سوريا

بقلم : خيرالله خيرالله

لم تكن للنظام السوري شرعية من أيّ نوع في أيّ يوم من الأيّام. هذا ما يفسّر وصول سوريا إلى ما وصلت إليه، وتحولها إلى منطقة نفوذ يتقاسمها الروسي والإيراني والتركي والإسرائيلي في ظلّ لامبالاة أميركية وأوروبية. استمرّ النظام الذي يُعتبر تتمة لانقلاب عسكري قضى في الثامن من آذار – مارس 1963 على التجربة الديمقراطية الناشئة والمحاولة الخجولة للعودة إلى الحياة المدنية جاثما على صدور السوريين منذ العام 1970.

استطاع النظام السوري في كلّ مرحلة من المراحل البناء على حدث ما أو مجزرة معيّنة أو علاقة مع هذه القوة الأجنبية أو تلك، كي يبقى في السلطة معتمدا قبل أي شيء آخر على العصب الطائفي. هذا العصب يبقى العمود الفقري للنظام الذي تأسس فعليا في شباط – فبراير 1966، تاريخ انتقال الحكم الذي في أساسه انقلاب عسكري إلى الضباط العلويين. قام النظام في نهاية المطاف على سلسلة من الشرعيات المزّيفة ترافقت مع إحكام الطائفة، ثمّ العائلة، سيطرتها على البلد وعلى مواطنيه استنادا إلى ثقافة قائمة على إلغاء الآخر ولا شيء آخر غير ذلك.

تمر هذه الأيّام الذكرى الخامسة والثلاثين لمجزرة حماة التي ارتكبها النظام السوري في شباط – فبراير من العام 1982. لا أرقام نهائية حتى اليوم لحجم المأساة التي بنى عليها حافظ الأسد جزءا من “شرعيته”. المتداول في أوساط المطلعين أن عدد الضحايا بلغ نحو أربعين ألفا، وأن عائلات بكاملها أُبيدت عن بكرة أبيها، كما أنّ قسما كبيرا من المدينة دمّر.

ما زالت حماة تقاوم حتّى اليوم على الرغم من كلّ المحاولات التي بذلها النظام وما زال يبذلها للتخلّص من المدن السورية الكبرى أو تدجينها وتغيير طبيعة تركيبتها السكّانية كما يحصل حاليا مع دمشق.

كانت مجزرة حماة من بين المحطات التي لا بدّ من التوقف عندها لفهم كيف وصلت سوريا إلى ما وصلت إليه. عندما فقد حافظ الأسد السيطرة على المدينة مطلع شباط – فبراير 1982، أيقن أن نظامه صار في خطر. لم تكن حماة وحدها التي تحرّكت في تلك الفترة. كانت هناك تحركات شعبية في مدن ومناطق مختلفة، بينها دمشق وحلب وحمص واللاذقية، على الرغم من أن العلويين باتوا يعتبرون المدينة الساحلية تحت السيطرة الكاملة إثر الإتيان بسكان من الريف إليها. لم يتردد الأسد الأب لحظة في تطويق حماة وقصفها ومحو أحياء فيها من الوجود. لا تزال آثار نحو عشرين ألفا من أهل المدينة مختفية إلى اليوم…


منذ وصوله إلى السلطة في السادس عشر من تشرين الثاني ـ نوفمبر 1970، حاول حافظ الأسد دائما الاستحصال على شرعية. كان ملفتا أنّه لم ينتخب رئيسا للجمهورية مباشرة بعد الانقلاب الذي قام به. وجد أستاذ مدرسة سنّيا من منطقة حوران يدعى أحمد الخطيب ليشغل هذا الموقع لأقلّ من ثلاثة أشهر. بعد ذلك أصبح الأسد الأب رئيسا في شباط – فبراير 1971. بين الانقلاب الذي قام به على رفاقه، وكان أبرزهم صلاح جديد، ووصوله إلى الرئاسة، راح حافظ الأسد يصلي في المساجد السنّية. لم يوجد بين السوريين من سكان المدن الكبيرة ومن التجار والمهندسين والأطباء والمحامين من يقبل شرعيته المزيّفة التي قامت على الصلاة في مساجد السنّة وعلى قمع أهل المدن والعمل على إيجاد تحالف مع سنّة الأرياف.

كانت الدفعة القويّة التي تلقاها نظام الأسد الأب في العام 1973. أشركه أنور السادات في حرب لم تكن تستهدف تحرير الجولان، بمقدار ما كانت تستهدف إيجاد شرعية لوزير الدفاع السوري، المسؤول الأول عن سقوط الهضبة الإستراتيجية في أثناء حرب العام 1967. لم يكن هذا الوزير أحدا سوى حافظ الأسد الذي خسر الجولان وظلّ يتاجر به إلى يوم وفاته.

من الدخول إلى لبنان والبقاء فيه، عسكريا وأمنيا، طوال ثلاثة عقود، مرورا بالمتاجرة بالنظام البعثي الآخر في العراق وإقناع العرب والعالم ثمّ إيران بأن لا بدّ من إيجاد توازن معه، تدبّر حافظ الأسد أموره إلى حد كبير. قبض ثمنا كبيرا لوقوفه في وجه البعث الآخر المقيم في بغداد. قبض الثمن من العرب ومن إيران خصوصا. وجد حافظ الأسد لنفسه مكانا في المنطقة العربية، خصوصا بعد إغلاق جبهة الجولان إثر اتفاق فصل القوات مع إسرائيل في 1974 وبعد المشاركة إلى جانب القوات الأميركية في حرب تحرير الكويت في مطلع 1991. كان في كلّ وقت على تناغم مع إسرائيل التي لم تكن يوما ضد بقاء جبهة جنوب لبنان مفتوحة واستمرار حال اللاحرب واللاسلم في المنطقة، وهي الحال التي اعتبرتها دائما الأنسب من أجل تحقيق أهدافها المتمثلة في خلق وقائع على الأرض.

بقيت مجزرة حماة في كلّ وقت تلاحق حافظ الأسد. لم يستطع في أيّ وقت محو ما فعله بالمدينة وأهلها من ذاكرة السوريين. بقيت حماة في الذاكرة بعد رحيل الأسد الأب وحلول ابنه مكانه. بقيت رمزا لرفض الشعب السوري الرضوخ لمشيئة النظام ووحشيته. رفضت حماة الأب وترفض الابن. أكدت في كلّ وقت أن النظام لا يمتلك أيّ شرعية، مهما قتل ودمّر وهجّر.

أن يتذكّر السوريون المدينة هذه الأيّام يعني قبل كلّ شيء أن الاستثمار في القتل لا يمكن أن يأتي بشرعية لأيّ نظام. أراد حافظ الأسد، وكان إلى جانبه وقتذاك شقيقه رفعت، تأديب السوريين مرّة أخيرة. خدمته مجزرة حماة من 1982 إلى ما بعد مماته. أبقت البركان السوري خامدا نحو ثلاثين سنة. كان على النظام أن يبحث مجددا عن شرعية ما في عهد بشّار الأسد.

كان اندلاع الثورة السورية قبل أقل بقليل من ست سنوات دليلا على أن لا جدوى من هذا البحث. هذا يفسّر إلى حدّ كبير هذا الانقلاب في الأدوار بين النظام وداعميه. في الماضي، كان النظام يبتز روسيا وقبل ذلك الاتحاد السوفياتي. كان يبتز إيران وإيران تبتزه. كان يبتز العـرب، خصوصا أهل الخليج في كلّ وقت. ما نجده الآن أن روسيا، التي تعرف قبل غيرها، أن النظام لم يعد يصلح سوى ورقة في لعبة كبيرة لم يعد له من مبرر وجود باستثناء أنّه يمكن أن يستخدم في صفقة مع الإدارة الأميركية الجديدة.

لاحقت لعنة حماة النظام طويلا. لم يستطع التخلّص منها يوما. لن يستطيع في 2017 التخلص من لعنة سوريا، بعدما صارت سوريا كلّها حماة. أراد حافظ الأسد ما حلّ بحماة أن يكون درسا للسوريين. تبيّن أن السوريين ليسوا على استعداد للتعلّم من هذا الدرس وأن 35 سنة لم تكن كافية كي يمحوا المدينة من ذاكرتهم الفردية والجماعية… لم يعطوا ولن يعطوا يوما شرعية للنظام، لا في عهد الأب ولا في عهد الابن.

المصدر: جريدة العرب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من لعنة حماة إلى لعنة سوريا من لعنة حماة إلى لعنة سوريا



GMT 18:13 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

لا ثقة بحكومة حسّان دياب

GMT 15:45 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أوراق إيران التي ذبلت

GMT 09:52 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

أكثر من أي وقت… نفتقد نسيب لحّود

GMT 09:43 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

سقوط آخر لبريطانيا

GMT 09:51 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

عندما يهرب لبنان إلى "صفقة القرن"

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 03:00 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

هيلاري كلينتون تتعرض للسخرية من قبل "فانتي فير"

GMT 17:26 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

مدبولي يفصح عن احترام شادية لمواعيدها على "ماسبيرو زمان"

GMT 04:18 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

تجارب نيفادا النووية تكشف عن كميات كبيرة من الإشعاع

GMT 18:56 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

وزارة الأسرة تستعد لإطلاق برنامج "يقظة" في المغرب

GMT 01:43 2016 الإثنين ,15 آب / أغسطس

متي يمكن معرفة جنس الجنين بوضوح

GMT 02:45 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

انتهاك بحري إسرائيلي لسيادة المياه الإقليمية اللبنانية

GMT 06:38 2015 الأحد ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

معتقل سابق في غوانتانامو يؤكد صعوبة العودة إلى الحياة

GMT 04:32 2017 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

جولة مخيفة داخل أكثر القبائل عزلة في عمق تلال بنغلاديش

GMT 10:35 2017 الأربعاء ,01 شباط / فبراير

أفكار ساحرة لتجديد المنزل بأقل التكاليف الممكنة

GMT 09:14 2017 الأحد ,06 آب / أغسطس

توقعات أحوال الطقس في كلميم الأحد

GMT 16:15 2016 الخميس ,19 أيار / مايو

اليوغا... لمحاربة النسيان وإنعاش الذاكرة
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya