كيف ترد إيران على روسيا وتركيا…

كيف ترد إيران على روسيا وتركيا…

المغرب اليوم -

كيف ترد إيران على روسيا وتركيا…

بقلم : خيرالله خيرالله

ليس أدلّ من رغبة المجتمع الدولي في التوصّل إلى تسوية سياسية في سوريا غير القرار الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة الذي يدعم الاتفاق الروسي – التركي الذي يفرض وقفا لإطلاق النار في هذا البلد المنكوب.

جاءت استجابة مجلس الأمن لما تسعى روسيا وتركيا إلى فرضه على الأرض سريعا. لكنّ الواضح أن لدى إيران حسابات أخرى، خصوصا أنّها تخشى التوصل إلى توقف العمليات العسكرية في سوريا قبل أن تؤمّنَ عزل دمشق عن محيطها السنّي. وهذا يفسّر إلى حدّ كبير الاستماتة الإيرانية من أجل تهجير أهالي وادي بردى الذين يشكلون آخر تجمّع سنّي كبير في محيط دمشق من جهة، وعلى طول الحدود اللبنانية ـ السورية من جهة أخرى.

مطلوب، إيرانيا، أن يكون بين سوريا ولبنان منطقة عازلة ليس فيها سوريون سنّة، أي معارضون للنظام يمثلون جزءا من الشعب السوري الساعي إلى استعادة بعض من كرامته. بكلام أوضح، مطلوب أن يكون هناك ممرّ آمن بين سوريا ولبنان، بين مناطق معيّنة في سوريا ومناطق دويلة “حزب الله” في لبنان حيث لا مكان للسلاح الشرعي التابع للدولة اللبنانية.

لم يكن في استطاعة النظام السوري والميليشيات الإيرانية التي تدعمه العودة إلى حلب والانتقام من أهلها لولا تركيا وروسيا. تبدو روسيا أكثر من ممتنّة لتركيا على الدعم الذي قدّمته لها والذي سمح بتهجير قسم لا بأس به من أهل حلب. من دون تركيا ما كان للحملة الجويّة الروسية أن تنجح في حلب. أوقفت تركيا شريان الحياة الذي كان يسمح بتزويد المقاتلين في شرق حلب بكل ما يحتاجون إليه. كان هؤلاء، في معظمهم، من أبناء حلب. كانوا سوريين انتفضوا في وجه النظام الأقلّوي الذي حول سوريا إلى مزرعة للطائفة في عهد حافظ الأسد، ثمّ مزرعة للعائلة في عهد بشّار الأسد.

من لديه بعض من ذاكرة يستطيع العودة إلى سبعينات القرن الماضي عندما كانت حلب رأس الحربة في التصدي للنظام المذهبي الذي أقامه حافظ الأسد في العام 1970، وهو نظام أسّس له الانقلاب الذي حصل في الثالث والعشرين من شباط – فبراير 1966. جاء ذلك الانقلاب بالضباط العلويين إلى السلطة، وكان مجرّد تمهيد لاحتكار حافظ الأسد لها في العام 1970 مكافأة له على تسليم الجولان لإسرائيل عندما كان وزيرا للدفاع في حزيران ـ يونيو 1967.

لم يكن الانتصار على حلب وأهل حلب ممكنا من دون روسيا وتركيا. لو شاءت تركيا، لما كان المقاتلون في حلب على استعداد للاستسلام والرحيل حفاظا على ما بقي من المدينة. كذلك، لم يكن في استطاعة أي ميليشيا مذهبية تابعة لإيران دخول الأحياء الشرقية لحلب لولا سلاح الجوّ الروسي. من سيقبض ثمن الانتصار على حلب وأهلها هو روسيا وتركيا. تمكّن البَلَدان من وضع نفسهما في موقع القادر على التفاوض في شأن مستقبل سوريا والمقتدر على ذلك. سيذهبان إلى اجتماع أستانة في كازاخستان، هذا الشهر، من موقع قوّة. وهذا الاجتماع، في عاصمة كازاخستان، سيكون الاجتماع التمهيدي لمفاوضات تجري في جنيف لاحقا، في شباط – فبراير المقبل على الأرجح، برعاية الأمم المتحدة وحضور الولايات المتحدة بإدارتها الجديدة.

لم تكن إيران شريكا أساسيا في معركة حلب. كانت شريكا ثانويا لا أكثر. كانت مجرّد أداة في عملية أكبر منها، مثلها مثل النظام السوري. اللاعبان الأساسيان هما روسيا وتركيا، وفي مرحلة مقبلة الإدارة الأميركية الجديدة التي تبدو على استعداد للتعاطي بطريقة عملية مع فلاديمير بوتين. هناك وزير جديد للخارجية الأميركية يدعى ريكس تيلرسون يعرف تماما كيف تعقد الصفقات مع الكرملين في عهد فلاديمير بوتين. لديه خبرة في ذلك مذ كان رئيسا لشركة “إكزون ـ موبيل”، إحدى أكبر شركات النفط في العالم.

هل تقبل إيران بدور الشريك الثانوي في ما يخصّ تحديد مستقبل سوريا؟ هذا هو السؤال الكبير الذي يطرح نفسه في هذه الأيّام، أي في مرحلة ما بعد حلب. كيف ستردّ إيران على الحلف الجديد بين روسيا وتركيا، وهو حلف مرشّح لأن يكون له امتداد أميركي بعد تولي دونالد ترامب مهماته رسميا في العشرين من الشهر الجاري؟

ليس مستبعدا أن تتابع إيران معركة وادي بردى لتأكيد أنّها الطرف الذي يسيطر على دمشق، حيث يقيم بشّار الأسد. أكثر من ذلك، ليس مستبعدا أيضا أن تزيد إيران ضغوطها على لبنان لإثبات أنّه مجرد مستعمرة لها، وأن “حزب الله” هو الحاكم الفعلي للبلد.

يستبعد أن تقبل إيران بدور اللاعب الثانوي في سوريا. كانت تعتقد أنّها جزء لا يتجزّأ من النظام المذهبي القائم، خصوصا بعدما خلف بشّار الأسد والده ووضع كلّ بيضه في سلّة “حزب الله”، الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني.

ليس أمام إيران من خيار سوى الردّ على الحلف الروسي – التركي ذي الامتداد الإسرائيلي من جهة، والذي وضع نفسه في موقع المستعدّ للتفاهم مع إدارة دونالد ترامب من جهة أخرى.

ستلجأ إيران إلى كلّ أوراقها لتأكيد أنّها لاعب أساسي في سوريا، المدينة لها بثلاثة وثلاثين مليار دولار هي ثمن الاستثمار في عملية قمع الشعب السوري المستمرّة، بنجاح عظيم، منذ العام 2011، أي عندما انتفض السوريون من أجل يقولوا إنّهم مازالوا شعبا حيّا يرفض كلّ ما يمثّله حزب البعث بكل تخلّفه وبكلّ النسخات التي ظهر فيها إنْ في سوريا أو في العراق منذ العام 1963.

في النهاية، ستكشف سوريا إيران. ستكشف أن النظام فيها ليس سوى نظام ينتمي إلى عالم آخر لا علاقة له بعالم القرن الحادي والعشرين. يستطيع هذا النظام، الذي ليس لديه أيّ نموذج صالح أو ناجح يقدّمه لمحيطه، الاستثمار طويلا في كلّ ما من شأنه إثارة الغرائز المذهبية في الشرق الأوسط. يستطيع لعب دوره في تدمير العراق وسوريا ولبنان واليمن. ولكن ماذا بعد ذلك؟ هناك استحقاقات لم يعد في إمكانه تفاديها. على رأس هذه الاستحقاقات تأتي سوريا وعملية إعادة إعمار سوريا. ما الذي تريده إيران في سوريا غير استمرار الحرب التي يشنهّا النظام على أهلها؟

عاجلا أم آجلا سيترتب عليها الإجابة عن سؤال مرتبط بالحدّ الذي يمكن الذهاب في المواجهة مع الحلف الجديد بين روسيا وتركيا، مع ما يعنيه ذلك من إفشال لوقف إطلاق النار. ربّما كان السؤال الأصح: إلى أيّ حد يمكن أن تذهب إيران في مواجهة هذا الحلف الذي لديه بدوره مشكلة عميقة. تكمن هذه المشكلة في أنّه يتجاهل بدوره أنّ ثورة الشعب السوري ثورة حقيقية وأن ما حدث في حلب بداية وليس نهاية..

المصدر : صحيفة العر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كيف ترد إيران على روسيا وتركيا… كيف ترد إيران على روسيا وتركيا…



GMT 18:13 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

لا ثقة بحكومة حسّان دياب

GMT 15:45 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أوراق إيران التي ذبلت

GMT 09:52 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

أكثر من أي وقت… نفتقد نسيب لحّود

GMT 09:43 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

سقوط آخر لبريطانيا

GMT 09:51 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

عندما يهرب لبنان إلى "صفقة القرن"

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 03:00 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

هيلاري كلينتون تتعرض للسخرية من قبل "فانتي فير"

GMT 17:26 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

مدبولي يفصح عن احترام شادية لمواعيدها على "ماسبيرو زمان"

GMT 04:18 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

تجارب نيفادا النووية تكشف عن كميات كبيرة من الإشعاع

GMT 18:56 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

وزارة الأسرة تستعد لإطلاق برنامج "يقظة" في المغرب

GMT 01:43 2016 الإثنين ,15 آب / أغسطس

متي يمكن معرفة جنس الجنين بوضوح

GMT 02:45 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

انتهاك بحري إسرائيلي لسيادة المياه الإقليمية اللبنانية

GMT 06:38 2015 الأحد ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

معتقل سابق في غوانتانامو يؤكد صعوبة العودة إلى الحياة
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya