يسقط لبنان أو لا يسقط

يسقط لبنان.. أو لا يسقط

المغرب اليوم -

يسقط لبنان أو لا يسقط

بقلم - خيرالله خيرالله

الثابت أن لبنان لم يعد قدوة. الخوف من السقوط العظيم للبلد كبير جدا، خصوصا إذا استطاع 'حزب الله' بفضل القانون الانتخابي الذي فصل على قياسه، تحقيق انتصار في الانتخابات النيابية المقبلة.

مصيبة لبنان أنه في تجاذب بين من يشدّ به إلى خلف ومن يدفع به إلى أمام. ليس ذهاب رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري إلى دافوس حيث يلتقي عددا من زعماء العالم سوى تأكيد للرغبة في التقدّم ولرفض لبنان الانتماء إلى ثقافة الموت. هناك من لا يزال يسعى إلى انتصار ثقافة الحياة في لبنان ويعمل من أجل ذلك. ليس سماح وزير الداخلية نهاد المشنوق بعرض فيلم “ذي بوست” لستيفن سبيلبرغ سوى تعبير عن إصرار لبنان على الانتماء إلى كل ما هو حضاري في العالم بدل البقاء في أسر التخلّف وأسر الذين اغتالوا رفيق الحريري قبل ثلاثة عشر عاما من أجل أن لا تكون هناك قيامة للبنان يوما.

قبل اغتياله بسنوات عدّة، وهو اغتيال حصل في مثل هذه الأيّام من العام 2005، كان رفيق الحريري في منزله في باريس يستعد للذهاب إلى دافوس للمشاركة في اللقاء الذي يجمع في كانون الثاني – يناير من كل سنة بعض كبار الزعماء وكبار الاقتصاديين ورجال الأعمال في العالم.

في اللحظة الأخيرة، اضطر رئيس مجلس الوزراء اللبناني إلى الامتناع عن الذهاب إلى دافوس جراء ضغوط مارسها النظام السوري، الذي كان وقتذاك نظام الوصاية على لبنان. كان هم النظام السوري محصورا في منع أي انفتاح لبناني على العالم من أجل أن لا يكون البلد على الخارطة السياسية للشرق الأوسط. كانت الحجة أن في دافوس إسرائيليين وأنّ حضور دافوس بمثابة “تطبيع مع العدوّ”.

من يريد أن يطبّع مع من؟ لم يكن هناك من جواب عن مثل هذا السؤال لدى نظام سوري يكتسب شرعيته من تسليم حافظ الأسد الجولان إلى إسرائيل في العام 1967، عندما كان لا يزال وزيرا للدفاع في سوريا. لا أذكر تماما السنة التي منع فيها النظام السوري رفيق الحريري من الذهاب إلى دافوس. كل ما أذكره أنّي ذهبت شخصيا في تلك السنة إلى دافوس وشاهدت بأمّ العين رجال أعمال سوريين من الذين يحظون برضا النظام حاضرين في دافوس. أتذكر تماما أنه كان مسموحا للنظام السوري المشاركة بطريقة غير مباشرة في اللقاءات التي ينظمها “الملتقى الاقتصادي الدولي” في دافوس شتاء وفي الشرق الأوسط في الربيع، أكان ذلك على الضفة الأردنية من البحر الميت أو في شرم الشيخ. في المقابل، كان ممنوعا على لبنان أن يكون حاضرا في دافوس. كان عليه التسلل إلى البحر الميّت أو شرم الشيخ وأن لا تثير مشاركته الرسمية ضجّة كبيرة.

حضر الإسرائيليون أم لم يحضروا، لم تكن تلك قضية. من يريد من العرب الاجتماع بالإسرائيليين في دافوس، كان يستطيع الاجتماع بهم. من كان يرفض ذلك كان يتفاداهم. الأكيد أن رفيق الحريري كان سيتفادى الإسرائيليين، لكن المشكلة كانت في أن النظام السوري لم يكن يريد للبنان أن يكون موجودا على خارطة الشرق الأوسط والعالم.

من يريد ترجمة عملية لهذا الكلام يستطيع العودة إلى ما تشهده دولة حديثة مثل دولة الإمارات العربية المتحدة من تطوّر على كل صعيد
ما نشهده اليوم هو محاولة محفوفة بالمخاطر ومكلفة للحؤول دون خنق لبنان. يقوم سعد الحريري بهذه المحاولة التي تستهدف التأكيد أن البلد لم يستسلم تماما لـ“حزب الله” وأنّه لا يزال يقاوم. لا تزال ثقافة الحياة تقاوم ثقافة الموت التي تسعى ميليشيا مذهبية تابعة لإيران إلى فرضها على اللبنانيين. هذه الثقافة، ثقافة الموت، غريبة عن لبنان الذي كان في الماضي بجامعاته ونمط الحياة فيه، قبل أي شيء آخر، مثلا يحتذى به في المنطقة كلها.

هل مطلوب حاليا أن يموت لبنان؟ السؤال مطروح بعدما انتفض الأمين العام لـ“حزب الله” ضد فيلم لا يعرف أن يلفظ اسم مخرجه وما القيمة العالمية لهذا المخرج. ما فعله نصرالله ليس مستغربا. من يعتبر يوم السابع من أيار- مايو 2008، وهو اليوم الذي غزا فيه “حزب الله” بيروت وانتقل بعد ذلك إلى الجبل، “يوما مجيدا”، يمكن أن يقول أي شيء. يستطيع قول أي شيء لتبرير انتقال الوصاية على لبنان من النظام السوري إلى النظام الإيراني ولتبرير انفلات الغرائز المذهبية بأبشع صوره.

لم يستسلم لبنان بعد. ذهاب سعد الحريري إلى دافوس دليل على أن لبنان لا يقبل أن يكون تحت رحمة “حزب الله” وثقافة الموت التي ينادي بها. لبنان مازال يقاوم. الفارق أنه صار على لبنان اللحاق بدول عربية سبقته بدل أن يكون مثالا يحتذى به وأن تكون بيروت منارة الشرق الأوسط والعالم العربي، من المحيط إلى الخليج، ثقافيا وحضاريا وإنسانيا قبل أي شيء.

من يريد ترجمة عملية لهذا الكلام يستطيع العودة إلى ما تشهده دولة حديثة مثل دولة الإمارات العربية المتحدة من تطوّر على كل صعيد، بما في ذلك الصعيد الإنساني والحضاري. صار في هذه الدولة وزارة للتسامح، نعم وزارة للتسامح، وذلك منذ شباط – فبراير 2016. يشغل حقيبة التسامح الشيخ نهيان بن مبارك الذي يقول في مقابلة أجراها معه الزميل رشيد الخيّون ونشرت قبل أيّام في صحيفة “العرب”، “نحن لا ننظر إلى التسامح باعتبار أنه عفو عند المقدرة، بل نرفض هذا المفهوم أصلا ونعتبره غير ملائم لما نسعى إلى تحقيقه. فالتسامح ليس تنازلا أو مصالحات وتهدئة خواطر وإنما هو ثقافة وسلوك”.

هناك تشديد في الإمارات على التعليم والبرامج التعليمية ونوعية الأساتذة. هناك بلد يسعى فيه القيمون عليه إلى المحافظة على إرث الشيخ زايد بن سلطان مؤسس الدولة التي يعيش فيها أناس من مئتي جنسية.

كان لبنان في الماضي في طليعة الدول التي تقدّم نموذجا عن القدرة على الانتماء إلى كلّ ما هو حضاري في هذا العالم. كان التسامح من القيم اللبنانية قبل أن يعمل “حزب الله” على تغيير وجه لبنان، بدءا بتغيير طبيعة المجتمع الشيعي فيه، هذا المجتمع الذي لا يزال قسم منه يقاوم الهيمنة وثقافة السلاح.

من الواضح أن لبنان فقد ميزة الانفتاح التي ميّزته منذ قيام الجمهورية اللبنانية. يكفي للدلالة على ذلك صدور حكم، عن محكمة عسكرية، على الزميلة حنين غدّار، لمجرد أنها وصفت واقعا يشكو منه لبنانيون كثيرون ولم يعد من مجال لتجاهله. يقف لبنان عند مفترق طرق. هل يسقط أو لا يسقط؟

الثابت أن لبنان لم يعد قدوة. الخوف من السقوط العظيم للبلد كبير جدا، خصوصا إذا استطاع “حزب الله” بفضل القانون الانتخابي الذي فُصّل على قياسه، تحقيق انتصار في الانتخابات النيابية المقبلة، بعد ثلاثة أو أربعة أشهر من الآن.

ليس موضوع النفايات (الزبالة) هو الموضوع الوحيد الذي يشكو منه لبنان. هناك ما هو أهمّ من ذلك بكثير. هناك ما تخفيه الزبالة. هناك رغبة في تطويع لبنان واللبنانيين وإقناعهم بأن لدى إيران، كنظام قام في العام 1979، نموذجا قابلا للتصدير وأن ما بعد الانتخابات النيابية ليس كما قبلها. بعد الانتخابات، سيكون على أي رئيس للوزراء أن ينسى دافوس وأن ينسى محيطه العربي الذي ينتمي إليه، وأن ينسى معنى الانتماء إلى العالم. سيتوجّب على أي مسؤول لبناني تجاهل كل ما له علاقة بالعالم الحضاري من قريب أو بعيد، بما في ذلك ظاهرة حديثة تتمثل في حنين الإيرانيين هذه الأيام إلى عهد الشاه وأفراد أسرته… على الرغم من مرور تسعة وثلاثين عاما على قيام النظام الجديد في إيران!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يسقط لبنان أو لا يسقط يسقط لبنان أو لا يسقط



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 12:22 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

شركة "مصر للطيران" تستعد لاستقبال 33 طائرة جديدة

GMT 08:59 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

"شيوكو" أصغر الجزر الرئيسية الأربع في اليابان

GMT 00:19 2020 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

نفيديا تُعلن عن أول شاشة 360Hz

GMT 17:16 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

البرازيلي أليسون أفضل حارس في استفتاء الكرة الذهبية 2019

GMT 02:01 2019 الأحد ,03 آذار/ مارس

ديكورات غرف نوم أبناء النجمات

GMT 15:14 2019 الإثنين ,28 كانون الثاني / يناير

أنباء عن زيارة الملك محمد السادس لمراكش الثلاثاء

GMT 18:54 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

تعرّف على المُخدر الذي استخدمه راقي بركان للايقاع بضحاياه

GMT 14:29 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرفي على أجمل ديكورات الجبس للمجالس داخل منزلك

GMT 04:16 2018 الثلاثاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أم تستفيق بين أحضان طفلها بعد 23 يومًا من الغيبوبة

GMT 09:08 2018 الأربعاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

5000 بحيرة في النمسا تتقاسم الجمال الطبيعي والسُياح
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya