عندما يرفض لبنان تغطية سياسات إيران

عندما يرفض لبنان تغطية سياسات إيران

المغرب اليوم -

عندما يرفض لبنان تغطية سياسات إيران

بقلم - خيرالله خيرالله

كان مطلوبا من سعد الحريري لعب دور الغطاء للسياسات الإيرانية في المنطقة. عندما يكون الخيار بين لعب مثل هذا الدور مقابل البقاء في موقع رئيس مجلس الوزراء وبين الاستقالة، فإن شخصا مثل الحريري لا يستطيع إلا الاستقالة.

ليست استقالة الرئيس سعد الحريري، مجرد استقالة لرئيس مجلس الوزراء في لبنان. ما قاله في الخطاب الذي شرح فيه للبنانيين سبب إقدامه على هذه الخطوة يشير إلى أن الموضوع أكبر بكثير من لبنان، فضلا عن أنّه مرتبط بمستقبل البلد ومصيره في وقت تبدو المنطقة كلها مقبلة على أحداث كبيرة قد تنطلق شرارتها من سوريا تحديدا.

قال سعد الحريري ما كان مطلوبا منه أن لا يقوله. كان مطلوبا إسكاته في وقت تعتبر فيه إيران أن لبنان مستعمرة من مستعمراتها في المنطقة العربية، وأن رئيس مجلس الوزراء اللبناني لا يمكن أن يكون أكثر من موظّف لدى “حزب الله”، أي لدى “الحرس الثوري” الإيراني.

كان كلّ شيء في لبنان يوحي بانّ الزيارة التي قام بها سعد الحريري للرياض قبل أكثر من أسبوع ناجحة بكل المقاييس، خصوصا بعد المحادثات التي أجراها مع وليّ العهد الأمير محمّد بن سلمان ومع عدد من كبار مساعديه بينهم وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان.

كما كان متوقّعا، عاد الحريري من بيروت إلى الرياض مساء الجمعة لمتابعة المحادثات التي أجراها قبل أسبوع مع وليّ العهد السعودي. كان منتظرا أن يعود سعد الحريري مجددا إلى بيروت، لكن ظروفا مستجدّة جعلته يقدّم استقالته بدل أن يكون الموضوع الأساسي للزيارة توفير مساعدات سعودية للبنان كي يتمكّن من تجاوز المرحلة العصيبة التي يمرّ فيها في ظلّ الإصرار الأميركي على معاقبة إيران و“حزب الله”.

لم يعد سرا أن ثمّة عاملين أديا إلى الاستقالة. الأول وجود استعدادات وخطط لاغتيال سعد الحريري. ستتكشف تفاصيل هذه الاستعدادات والخطط قريبا. لذلك لم يتردد سعد الحريري في القول إنّ الأجواء في لبنان تشبه هذه الأيام الأجواء التي سادت في مرحلة ما قبل اغتيال رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من شباط – آذار 2005.

أما العامل الثاني، فهو الأجواء التي أحاطت باللقاء بين رئيس مجلس الوزراء اللبناني وعلي أكبر ولايتي مستشار “المرشد” الإيراني علي خامنئي الذي التقى الحريري في مقر رئيس مجلس الوزراء يوم الجمعة قبيل توجه الأخير إلى السعودية. أوحت الأجواء بأن ليس أمام لبنان سوى خيار أن يكون إلى جانب إيران في هذه المرحلة التي تمرّ فيها المنطقة. وهذا يعني صراحة أن على لبنان أن يختار، بالتي هي أحسن، الانضمام إلى “جبهة المقاومة والممانعة” التي تسيّرها طهران.


يبقى أن أهمّ من الاستقالة خلفياتها الإقليمية والدولية، فضلا عـن بعدها اللبناني. أحدثت الاستقالة صدمة في أوساط رئيس الجمهورية ميشال عون الذي لم يستطع، مع المحيطين به خصوصا، أن يكون على مسافة واحدة من كلّ اللبنانيين وأخذ المصالح العربية للبنان في الاعتبار. اكتفى وزير الخارجية جبران باسيل بالرد على الاستقالة بكلام سطحي مظهرا، مرة أخرى، أنه غير مؤهـل لفهم ما يدور في لبنان وحوله.

لدى الحديث عن خلفيات الاستقـالة، هناك، قبل كلّ شيء، وضع في غاية الدقّة في سوريا حيث تسعى إيران إلى تكريس وجودها على الأرض في هذا البلد الجار للبنان عن طريق مقاتلين لبنانيين ينتمون إلى “حزب الله” وآخرين من ميليشيات مذهبية يحمل أفرادها جنسيات مختلفة. لا تستطيع الحكومة اللبنانية، أيّ حكومة لبنانية، القبول بالمنطق الإيراني، لا في سوريا، ولا في لبنان طبعا. لا تستطيع ذلك لأنّ مثل هذا المنطق سيؤدي عاجلا أم آجلا إلى حرب إقليمية يذهب ضحيتها لبنانيون وسوريون.

يوفر الوجود الإيراني في سوريا ولبنان، وهو وجود مباشر وعبر ميليشيات تابعة لإيران، ذريعة لإسرائيل كي تشنّ حربا لن تؤدي سوى إلى مزيد من الفوضى والخراب في البلدين. هل عيب أن يرفض زعيم لبناني في حجم سعد الحريري التصرّفات الإيرانية في سوريا ولبنان وحتّى في مناطق عربية أخرى مثل العراق والبحرين واليمن؟

فوق ذلك كله، هناك خلفية دولية لاستقالة سعد الحريري في وقت ترفض إيران أن يكون لبنان في منأى عن المواجهة بينها وبين كلّ من الولايات المتحدة وإسرائيل. كلّ ما تريده إيران هو أن يكون لبنان منصّة لإطلاق الصواريخ وحتى لصنعها وأن يدفع ثمن رغبتها في التوصل يوما إلى صفقة مع “الشيطان الأكبر” الأميركي و“الشيطان الأصغر” الإسرائيلي.

بكلام أوضح، تعتبر إيران نفسها في حرب مع الولايات المتحدة، خصوصا بعد الخطاب الأخير للرئيس دونالد ترامب في الثالث عشر من تشرين الاوّل – أكتوبر الماضي. تعتبر كل الضربات الاستباقية مسموحة في كلّ الاتجاهات. من هذا المنطلق، صار سعد الحريري هدفا إيرانيا، لا لشيء سوى لأنه يرفض أن يكون لبنان مجرّد “ساحة” تستخدمها إيران في تصفية حساباتها مع العرب، خصوصا مع المملكة العربية السعـودية ومع المجتمع الـدولي، على رأسه الولايات المتحـدة. ما ذنب لبنـان إذا كان يرفض أن يكون ورقة من أوراق إيران؟

كان مطلوبا من سعد الحريري لعب دور الغطاء للسياسات الإيرانية في المنطقة. عندما يكون الخيار بين لعب مثل هذا الدور في مقابل البقاء في موقع رئيس مجلس الوزراء وبين الاستقالة، فان شخصا مثل سعد الحريري لا يستطيع إلا الاستقالة.

في استقالة سعد الحريري إعادة اعتبار لموقع رئيس مجلس الوزراء في لبنان. خسر الرجل الكثير من رصيده اللبناني والعربي وحتى السني منذ دخل في تسوية أوصلت ميشال عون إلى موقع رئيس الجمهورية. لم يعد طبيعيا أن يقتصر تقديم التنازلات على سعد الحريري والفريق السياسي الذي ينتمي إليه، بأيّ شكل.

دخل لبنان مرحلة جديدة في غاية الخطورة في وقت تبدو إيران مستعدة لعمل كلّ شيء كي تظهر قدرتها على الإيذاء عن طريق ميليشياتها المنتشرة في كل المنطقة. ليس الصاروخ الذي أطلقه الحوثيون من الأراضي اليمنية في اتجاه مطار الملك خالد في الرياض سوى دليل على وجود جنون إيراني في مرحلة ما بعد خطاب ترامب الذي يصرّ المسؤولون الأميركيون على الربط بينه وبين المملكة العربية السعودية ونفوذها في واشنطن.

يرفض لبنان دفع ثمن الجنون الإيراني. الأكيد أن ذلك لا يكون بكلام سطحي عن لبنان والحرب على الإرهاب و“داعش” من دون أيّ إشارة إلى العلاقة العضوية بين الإرهابين السنّي والشيعي الذي كشفته الأوراق والرسائل التي أخذها الأميركيون من منزل أسامة بن لادن. يرفض سعد الحريري دفع ثمن الجنون الإيراني الذي وصل إلى حدّ التصرّف مع لبنان بصفة كونه جرما يدور في الفلك الإيراني.

ما كشفته استقالة سعد الدين رفيق الحريري أن الوضع في لبنان ليس على ما يرام، وأن ليس من مهمات الحكومة اللبنانية حماية إيران وسياساتها المعادية لكلّ ما هو عربي في المنطقة.

هناك تسوية أدت إلى وصول ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية. لم تعد هذه التسوية قائمة. لم يعد سعد الحريري قادرا على تقـديم مزيد من التنازلات لحماية السلم الأهلي وما يترتب على فرض “حزب الله” نفسه على مؤسسات الدولة اللبنانية. دفع سعد الحريري الكثير من رصيده. كلّفته مواقفه الكثير داخل طائفته نفسها. لكنّ كفى تعني كفى. لا يستطيع سعد الحريري، العربي أوّلا، الذي ينادي بلبنان أوّلا، توفير غطاء لإيران وجنونها لا في لبنان ولا خارج لبنان…

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عندما يرفض لبنان تغطية سياسات إيران عندما يرفض لبنان تغطية سياسات إيران



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 12:22 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

شركة "مصر للطيران" تستعد لاستقبال 33 طائرة جديدة

GMT 08:59 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

"شيوكو" أصغر الجزر الرئيسية الأربع في اليابان

GMT 00:19 2020 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

نفيديا تُعلن عن أول شاشة 360Hz

GMT 17:16 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

البرازيلي أليسون أفضل حارس في استفتاء الكرة الذهبية 2019

GMT 02:01 2019 الأحد ,03 آذار/ مارس

ديكورات غرف نوم أبناء النجمات

GMT 15:14 2019 الإثنين ,28 كانون الثاني / يناير

أنباء عن زيارة الملك محمد السادس لمراكش الثلاثاء

GMT 18:54 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

تعرّف على المُخدر الذي استخدمه راقي بركان للايقاع بضحاياه

GMT 14:29 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرفي على أجمل ديكورات الجبس للمجالس داخل منزلك

GMT 04:16 2018 الثلاثاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أم تستفيق بين أحضان طفلها بعد 23 يومًا من الغيبوبة

GMT 09:08 2018 الأربعاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

5000 بحيرة في النمسا تتقاسم الجمال الطبيعي والسُياح
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya