بوتين في سورية… ضحية أوباما

بوتين في سورية… ضحية أوباما

المغرب اليوم -

بوتين في سورية… ضحية أوباما

بقلم : خيرالله خيرالله

هل روسيا ضحية سياسة تقوم على عنجهية أوقعها فيها باراك أوباما من حيث لا يدري؟ يصح طرح مثل هذا السؤال بعد معركة حلب التي لا تزال مستمرة.

يظهر، أقله إلى الآن، أن حلب ليست مدينة يمكن احتلالها بسهولة بمجرد وجود ميليشيات شيعية تابعة لإيران مثل “حزب الله” تشارك في الحرب على الشعب السوري من منطلق مذهبي ليس إلّا. تساند هذه الميليشيات ما بقي من قوات تابعة للنظام السوري، تتشكل في معظمها من مجموعات من “الشبيحة” الذين يعملون كمرتزقة في خدمة أشخاص مستفيدين من النظام يمتلكون امتيازات كبيرة منذ سنوات طويلة.

اعتقد فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف أن سلاح الجو الروسي كفيل بقلب المعادلة في حلب، خصوصا في ظلّ حال الارتباك التي تمرّ فيها تركيا. لذلك، نجد الطائرات الروسية تشارك في الحملة على حلب، وهي حملة تشمل دك أحياء في المدينة والقرى والبلدات المحيطة بها بهدف نشر الرعب في صفوف المدنيين خصوصا. لا فارق بين مدني وعسكري بالنسبة إلى الطيار الروسي الذي لا يعرف لماذا يشارك بلده في حرب تستهدف شعبا بكامله. كل ما يبحث هذا الشعب عنه منذ ما يزيد على نصف قرن، أي منذ وصول حزب البعث إلى السلطة في العام 1963، تمهيدا لقيام النظام العلوي، هو بعض من كرامة وحرّية.

من بين الحسابات الخاطئة التي قامت بها روسيا الاستخفاف بتركيا وأهمية حلب بالنسبة إليها، وذلك بغض النظر عن من يحكم تركيا. هل من يحكم رجب طيّب أردوغان أم غيره. عندما تجد تركيا أنّها مهددة انطلاقا من سوريا، من حلب تحديدا، ليس أمامها سوى التدخل. نسيت موسكو أن تركيا تدخلت في سوريا قبل وصول أردوغان إلى السلطة وذلك عندما أجبرت النظام على التخلي عن الزعيم الكردي عبدالله أوجلان أواخر تسعينات القرن الماضي. كان العسكر يتحكمون وقتذاك بالقرار التركي. كان كافيا توجيه إنذار إلى حافظ الأسد، كي يفهم بشّار الأسد، الذي لم يكن بعد رئيسا، أن لا خيار آخر غير التخلي عن أوجلان بالتي هي أحسن.

أمّا في ما يخص معركة حلب الدائرة حاليا، هناك نقطتان فاتتا بوتين ووزير خارجيته. الأولى مدى أهمّية حلب لتركيا، والأخرى استعداد الشعب السوري لتقديم التضحيات والقتال حتى آخر رجل وطفل.

وجدت تركيا نفسها، قبل المحاولة الانقلابية الأخيرة على رجب طيب أردوغان، مجبرة على الاعتذار من موسكو. كذلك أعادت تركيا العلاقات مع إسرائيل إلى طبيعتها بعدما اكتشفت أن ليس في استطاعتها لعب الورقة الفلسطينية، كما تفعل إيران، على الرغم من الرابط الإخواني القائم بينها وبين “حماس”.

لم تكن لدى الروسي، وقبله السوفياتي، حسابات دقيقة في الشرق الأوسط، خصوصا في سوريا. كلّ من راهن على أن حلب لقمة سائغة ارتكب خطأ كبيرا. لا لشيء، سوى لأنّ في حلب وحولها آلاف المسلحين الذين يدافعون عن وجودهم وعن أرضهم. المسألة بالنسبة إلى هؤلاء مسألة حياة أو موت. لا يريد الروسي، ومعه الإيراني، أخذ علم بأن هناك رفضا كليا من أهل حلب، والمناطق المحيطة بها والقريبة منها، للنظام العلوي الذي ارتكب منذ أواخر سبعينات القرن الماضي سلسلة من المجازر في حق هؤلاء تحت ذرائع شتى. كان الهدف دائما تطويع أهل حلب والمناطق المجاورة لها، وصولا إلى دير الزور البعيدة عن المدينة.

لن ينجح الروسي في ممارسة هذه المهمّة من الجو. لن ينجح الإيراني حيث فشل النظام الذي اعتقد في مرحلة معيّنة، بعد اندلاع الثورة السورية في آذار – مارس 2011، أن أهل حلب تعلموا من تجارب الماضي القريب دروسا في الانصياع لا يمكن أن ينسوها يوما.

ليس الاستخفاف بتركيا وأهمية حلب بالنسبة إليها، فضلا عن مدى الجهل بالسوريين، ما أوصل روسيا إلى أن تصبح عدوّا للشعب السوري. هناك عامل في غاية الأهمّية يمكن أن يكون أغرى موسكو في الذهاب بعيدا في مغامرتها السورية والرهان على استغلال نظام بشار الأسد بحثا عن موقع على خارطة الشرق الأوسط. هذا العامل هو العامل الأميركي.

اعتبر فلاديمير بوتين، ومعه إيران، أن إدارة باراك أوباما فرصة لن تتكرر. سلّمت هذه الإدارة العراق كلّيا لإيران واعتبرت أن الملف النووي الإيراني يختزل كلّ مشاكل الشرق الأوسط. راعت إدارة أوباما الأطماع الإيرانية في سوريا إلى أبعد حدود. تجاهلت ماذا يعني وجود ميليشيات مذهبية تابعة لإيران في سوريا، ومدى الخطر الذي يمثله “حزب الله”، وهو لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، على وجود بلد مثل لبنان صار معزولا عن محيطه العربي.

أغرى الأميركي الروسي. لا شك أن نقطة التحوّل كانت في مثل هذه الأيام من العام 2013 عندما استخدم بشار الأسد السلاح الكيميائي في التعاطي مع السوريين. نسي باراك أوباما، وقتذاك، أنه كان وضع “خطا أحمر” لرئيس النظام السوري. اقتنع بنصائح فلاديمير بوتين الذي اقترح عليه الاكتفاء بنزع مخزون السلاح الكيميائي السوري وعدم توجيه ضربة عسكرية إلى النظام.

مذ ذاك التاريخ، زاد التورط الروسي في سوريا وصولا إلى إقامة قاعدة في حميميم قرب اللاذقية تستخدم لشنّ غارات على فصائل مسلّحة سورية وعلى مواقع مدنية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس، لإبقاء بشّار الأسد في دمشق.

إذا كان من نتيجة لهذه السياسة الأميركية، فإنها تتلخص بدفع الروسي والإيراني إلى المزيد من التورط في سوريا… وهو تورط ليست إسرائيل بعيدة عنه ما دامت “الخطوط الحمر” التي وضعتها موضع احترام روسي وإيراني. وعندما يحصل خرق لأيّ “خط أحمر” تضرب إسرائيل ما تعتبره هدفا لها، من دون أن تجد من يردّ عليها.

سهلت إدارة أوباما على بوتين السقوط في المستنقع السوري. لن يفيد في شيء اكتشاف الرئيس الأميركي أخيرا أنّ سوريا “سببت له الشيب” وأنّ لا حرب ناجحة على “داعش” والإرهاب من دون التخلص من النظام السوري الذي قارن حصاره لحلب بحصار الجيوش للمدن “في القرون الوسطى”.

يبقى سؤال واحد. ماذا سيفعل الرئيس الروسي في حال طرأ تغيير، ولو نسبي، على سياسة باراك أوباما تجاه سوريا وذلك خدمة للحملة الانتخابية لهيلاري كلينتون؟

ثمّة مؤشرات على احتمل حصول تغيير ما في الموقف الأميركي في اتجاه المزيد من التشدّد حيال كلّ ما له علاقة بسوريا في الأسابيع القليلة المقبلة.

هل يمتلك فلاديمير بوتين من الشجاعة ما يكفي للاعتراف بأن روسيا، ذات الاقتصاد الهشّ، ليست سوى نمر من ورق؟ كلّ ما تستطيع روسيا عمله، حتّى عندما كان الاتحاد السوفياتي في عزّه، هو التدمير وليس البناء. على من يريد دليلا على ذلك العودة إلى التعاطي الروسي مع سوريا منذ ما قبل حرب 1967 والكوارث التي أدت إليها، وصولا إلى السكوت عن كل ممارسات حافظ الأسد في سوريا ولبنان، وصولا إلى ما نشهده حاليا من تفتيت لسوريا بعدما صارت مستعمرة إيرانية ولا شيء آخر غير ذلك…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بوتين في سورية… ضحية أوباما بوتين في سورية… ضحية أوباما



GMT 18:13 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

لا ثقة بحكومة حسّان دياب

GMT 15:45 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أوراق إيران التي ذبلت

GMT 09:52 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

أكثر من أي وقت… نفتقد نسيب لحّود

GMT 09:43 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

سقوط آخر لبريطانيا

GMT 09:51 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

عندما يهرب لبنان إلى "صفقة القرن"

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 03:11 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

مواصفات "بي ام دبليو M2 Competition Package" قبل الكشف عنها

GMT 23:11 2018 الإثنين ,09 إبريل / نيسان

"ملف المغرب 2026 "يحظى بدعم قوي من روسيا وفرنسا

GMT 00:22 2018 الأربعاء ,31 كانون الثاني / يناير

أتلتيك بيلباو يدعم صفوفه من ريال سوسييداد بضم مارتينيز

GMT 14:33 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

الألوان المضيئة والبراقة موضة 2018

GMT 20:59 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

الفرقة الوطنية تدخل على خط اختلاس مليار و200 مليون سنتيم

GMT 13:58 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

ديون الرجاء في "الفيفا" تبلغ 600 ألف دولار

GMT 06:35 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تستخدم قناة "روسيا اليوم" للتأثير على الشعوب
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya