المهم في 2017 تعلم شيء من درس عام 2000. أول ما يفترض تعلمه أن لا فائدة من القطيعة مع واشنطن مهما كان الموقف الذي اتخذته سيئا.
من يدعو إلى انتفاضة فلسطينية ثالثة، مثل تلك التي أعلنت عنها حركة “حماس”، ردا على القرار الخاطئ والمدان، بكل المقاييس، الذي اتخذه الرئيس دونالد ترامب في شأن القدس، إنما يدعو الفلسطينيين إلى الانتحار.
مثل هذه الانتفاضة، التي قد تحصل أو لا تحصل، في غير محلها. إنها خدمة مجانية لإسرائيل التي تبحث عن عذر كي يؤكد بنيامين نتانياهو أن الفلسطينيين لا يمكن أن يكونوا شركاء في أي عملية سلام. علما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يؤمن بأي عملية سلام وكل ما يسعى إليه هو تكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية.
ولكن، هل لدى الفلسطينيين بديل ما من عملية السلام من أجل استرجاع حقوقهم، بما في ذلك الحق في أن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولتهم المستقلّة؟
ليعلن من لديه خيار آخر واقعي ما هو هذا الخيار. لم يخض الفلسطينيون مواجهة عسكرية مع إسرائيل إلا وخسروها. إذا استثنينا معركة الكرامة، التي خاضها عمليا الجيش الأردني في الواحد والعشرين من آذار – مارس من العام 1968، تبقى المعركة الوحيدة التي خاضها الفلسطينيون وخرجوا منتصرين فيها هي الانتفاضة السلمية، انتفاضة “أولاد الحجارة” في 1987 و1988.
ما تبقى أوهام وبحث عن جوائز ترضية لا وجود حقيقيا لها على أرض الواقع، اللهم إلا إذا كانت معركة تدمير فنادق بيروت في 1975 و1976 تلبية لرغبات النظام السوري، تعتبر انتصارا. هذه هي الحقيقة المؤلمة التي لا مفرّ من الاعتراف بها في هذه الظروف الصعبة التي قرّر فيها الرئيس الأميركي الانحياز للاحتلال وإحراج حلفائه العرب.
من يدعو إلى مقاطعة نائب الرئيس الأميركي مايك بنس عندما يزور الشرق الأوسط، لا يريد الخير للفلسطينيين.
يظل أكبر إنجاز حققه أرييل شارون في أواخر العام 2000، عندما تسبب في اندلاع الانتفاضة الثانية، التي أخطأ ياسر عرفات في اتخاذ قرار بـ“عسكرتها”، يتمثل في قطع طريق واشنطن على “أبوعمار”، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني الذي عرف كيف يضع فلسطين على الخارطة السياسية للشرق الأوسط وإدخالها إلى البيت الأبيض.
لا وجود لشيء اسمه الانتفاضة من أجل الانتفاضة. ماذا إذا حصلت انتفاضة جديدة في نهاية السنة 2017؟ هل يمتلك الفلسطينيون غير مشروع العودة إلى المفاوضات مع إسرائيل في رعاية وسيط أميركي يمكن أن يساعد في تحقيق بعض التقدّم؟
الأكيد أن ثمة من سيرد على هذا الكلام بأن لا أمل في الولايات المتحدة، خصوصا في ضوء الانحياز الأميركي الكامل لإسرائيل في موضوع القدس، وهو موضوع بالغ الحساسية.
ليس الموضوع موضوع مزايدة على الفلسطينيين بمقدار ما أنه موضوع دعوتهم إلى التصالح مع الواقع بعيدا عن الفخاخ التي تُنصب لهم… وبعيدا عن أي تفاؤل من أي نوع بإمكان إعادة إسرائيل النظر في سياستها العدوانية.
باختصار شديد، لا يمكن لمقاطعة نائب الرئيس الأميركي أن تفيد الجانب الفلسطيني في شيء. على العكس من ذلك، تتمنى إسرائيل حصول مثل هذه المقاطعة. أما العودة إلى الانتفاضة، فهي استجابة لمطالب الذين لا طموح لهم سوى المتاجرة بالقضية الفلسطينية وبالشعب الفلسطيني وبالقدس تحديدا.
جرّبت “حماس” كل أنواع الحروب مع إسرائيل منذ سيطرت على قطاع غزّة في حزيران – يونيو من العام 2007. ماذا كانت النتيجة؟ بعد عشر سنوات على قيام “الإمارة الإسلامية” في غزة، اضطرت الحركة إلى الاستسلام للسلطة الوطنية الفلسطينية والتظاهر بحرصها على الوحدة الوطنية، وذلك من أجل إيجاد من يدفع لها رواتب موظفيها في القطاع.
قد لا تكون هناك فائدة من لقاء نائب الرئيس الأميركي، لكنّ الأكيد أن لا خسارة من لقاء بينه وبين رئيس السلطة الوطنية محمود عبّاس (أبومازن) الذي يُفترض فيه أن يفكر مليا بأن هذه المرحلة ليست مرحلة رفع الشعارات الطنانة الفارغة من أيّ مضمون.
نعم، هناك ظلم تمارسه إدارة ترامب، لكنّ ذلك لا يجب أن يؤدي إلى قطيعة مع الولايات المتحدة. على العكس من ذلك، هناك حاجة إلى الاستفادة من تجارب الماضي القريب، بما في ذلك التساؤل لماذا نجحت الانتفاضة الأولى وفشلت الانتفاضة الثانية؟
نجحت الانتفاضة الأولى لأنها كانت سلمية ولأن الفلسطينيين حددوا هدفا واضحا تضمّنه البرنامج السياسي الذي أقر في دورة المجلس الوطني التي انعقدت في الجزائر في تشرين الثاني – نوفمبر من العام 1988.
أوصلت الانتفاضة الأولى إلى إقامة علاقات مع الإدارة الأميركية ثمّ إلى اتفاق أوسلو بحسناته الكثيرة وسيئاته أيضا.
ما لا يمكن تجاهله أن أوسلو أعاد “أبوعمّار” إلى أرض فلسطين. من كان يحلم أن ياسر عرفات سيعود يوما إلى تلك الأرض وأنه سيدفن في رام الله على مرمى حجر من القدس؟
في نهاية المطاف، تظلّ القضيّة الفلسطينية قضية شعب حرم من حقوقه الوطنية. هذا الشعب، الموجود على الخارطة السياسية للشرق الأوسط، لا يمكن إلا أن يجد لنفسه مكانا على الخارطة الجغرافية للمنطقة في يوم من الأيام.
تبذل إسرائيل، خصوصا عبر الاستيطان كلّ جهد من أجل إلغاء المساحة الجغرافية التي اسمها الضفّة الغربية وجعلها أرضا طاردة لأهلها. هذه هي المعركة التي يخوضها الفلسطينيون في ظروف غير مواتية.
من بين أسباب قيام هذه الظروف، يأتي الموقف الجديد لإدارة ترامب التي يبدو همّها محصورا في المزايدة على اليمين الإسرائيلي نفسه وذلك لأسباب أميركية داخلية قبل أي شيء آخر.
أيا يكن الموقف الأميركي، من المفيد فلسطينيا تفادي قطع شعرة معاوية مع واشنطن. أن يكون للفلسطينيين تأثير بنسبة واحد في المئة على الموقف الأميركي، يظل أفضل من لا شيء. الأهم من ذلك، أن الولايات المتحدة يمكن أن تكون مقبلة على تطورات في غاية الأهمية من بينها ذهاب ترامب إلى بيته وحلول نائب الرئيس مكانه.
هذا مجرّد احتمال وارد في ضوء الهزيمة التي لحقت بمرشّح الحزب الجمهوري إلى مجلس الشيوخ في ولاية ألاباما. هذا يحدث للمرّة الأولى منذ ربع قرن. خاض ترامب معركة المرشح الجمهوري شخصيا، لكن الاتهامات الموجهة إلى المرشح، وهي شبيهة بتلك الموجهة إلى الرئيس الأميركي في قضية تحرش ذات طابع جنسي، جعلته يخسر أمام منافسه الديمقراطي.
عمل الفلسطينيون منذ سبعينات القرن الماضي على إقامة علاقة مع الولايات المتحدة. لم يستطع ياسر عرفات المحافظة على هذه العلاقة، علما أنه كان أكثر زعيم زار البيت الأبيض في العام 2000.
ضاع “أبوعمار” في متاهات مرحلة ما بعد قمة كامب ديفيد، التي جمعته بالرئيس بيل كلينتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك صيف العام 2000. كانت تلك متاهات أغرقه فيها أرييل شارون الذي تعمّد زيارة المسجد الأقصى فور تأكده من فشل القمّة الأميركية-الفلسطينية- الإسرائيلية. مازال الفلسطينيون يدفعون إلى اليوم ثمن قرار “عسكرة” الانتفاضة.
المهم في 2017 تعلم شيء من درس العام 2000. لعل أول ما يفترض تعلمه أن لا فائدة من أي قطيعة مع واشنطن، مهما كان الموقف الذي اتخذته سيئا. مثل هذه القطيعة لا يستفيد منها إلا أولئك الذين لا يرون في القضية الفلسطينية سوى مادة تصلح للمتاجرات السياسية لا أكثر…