السنة التاسعة من الثورة السورية هي سنة خروج إيران من سوريا. لا مستقبل لإيران في سوريا. في نهاية المطاف هناك كره شعبي سوري للوجود الإيراني الذي هو وجود مذهبي مخالف للطبيعة والمنطق.
العالم كلّه تآمر على السوريين
مرت ثماني سنوات على ثورة الشعب السوري على نظام حرمه من الحد الأدنى من الكرامة ومن ممارسة حقوقه كشعب حرّ يمتلك ثروة بشرية فريدة من نوعها في الشرق الأوسط كلّه. لم يكن ينقص سوريا شيء كي تكون دولة مزدهرة لو قدّر لها أن تكون تحت حكم مدني، بدل الدخول في لعبة الأنظمة الأمنية التي أسّس لها جمال عبدالناصر. ليس معروفا إلى يومنا هذا ما المنطق خلف الوحدة المصرية – السورية التي استمرت ثلاث سنوات (1958- 1961) والتي لم يكن من نتيجة لها غير قيام نظام مخابراتي في سوريا تزعّمه عبدالحميد السرّاج بإشراف مباشر من عبدالحكيم عامر.
تُعتبر سوريا من ضحايا ناصر مثلها مثل العراق قبل أن يكمل حزب البعث، بكلّ تخلّفه، مهمّة القضاء على كلّ ما هو حضاري في هذين البلدين اللذين يصعب أن تقوم لهما قيامة في يوم من الأيّام.
بعد ثماني سنوات على الثورة الشعبية التي اندلعت في مثل هذه الأيّام من العام 2011، بات واضحا أن العالم كلّه تآمر على السوريين، بما في ذلك الإدارة الأميركية في عهد باراك أوباما التي كان همّها الأوّل والأخير استرضاء إيران. لم يكن لدى تلك الإدارة من هدف سوى التوصّل إلى اتفاق مع إيران في شأن ملفّها النووي. شكّل هذا الملفّ أساسا للسياسة الخارجية الأميركية في المنطقة، طوال سنوات، فيما اعتبر باراك أوباما ملايين السوريين الذين ثاروا على الظلم مجرّد تفصيل.
مرّت الثورة السورية منذ اندلاعها في آذار – مارس 2011 بمراحل عدّة. من ثورة سلمية، إلى ثورة مسلّحة، إلى دخول “داعش” على الخط بتواطؤ بين هذا التنظيم الإرهابي من جهة، وكلّ من النظامين السوري والإيراني من جهة أخرى، إلى التدخّل الروسي المباشر ابتداء من أواخر أيلول – سبتمبر 2015. لكنّ الثابت الوحيد في السنوات الثماني هو الدور الإيراني المرتبط بشخص بشّار الأسد، وهو دور يبقى أفضل تعبير عنه التورّط المباشر لميليشيا “حزب لله” ذات العناصر اللبنانية في الحرب على الشعب السوري.
ليس معروفا إلى الآن لماذا كلّ هذا الإصرار الإيراني على إيجاد موطئ قدم في سوريا، ولماذا الاستثمار في مشروع من هذا النوع معروف منذ الآن أنّ مصيره الفشل. هل تعتقد إيران أن الإنجاز الأهمّ للثورة التي أطاحت بالشاه في العام 1979 هو قيام “حزب الله” في لبنان وحلوله في مرحلة معيّنة مكان التنظيمات الفلسطينية التي انتهى دورها في 1982؟ هل تعتبر أن خروجها من سوريا سيؤثر على مستقبل “حزب الله” في لبنان؟
لا شك أنّ “حزب الله”، الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني، يشكل إنجازا إيرانيا كبيرا بل استثنائيا. فإيران تستعين بالحزب في لبنان وخارج لبنان. إنه أداة أساسية من أدواتها في المنطقة. له استخداماته في سوريا والعراق، كما لديه نشاطه في اليمن وحتى في البحرين. وهذا ليس سرّا.
صار كل شيء واضحا
صار كل شيء واضحا
لا حاجة إلى التوسّع في دور “حزب الله” خارج لبنان، بما في ذلك في أفريقيا وأميركا اللاتينية وأوروبا والخليج العربي. كلّ ما يمكن قوله في هذا المجال إنّ “حزب الله” لعب دورا أساسيا في ملء الفراغ الناجم عن الانسحاب العسكري والأمني السوري من لبنان في العام 2005 بعد اغتيال رفيق الحريري في عملية بات معروفا من حضّر لها ومن نفّذها ومن غطّاها. فبعد صدور القرار الاتهامي في الجريمة عن المدعي العام في المحكمة الدولية في لاهاي، لم تعد هناك أسرار. صار كلّ شيء واضحا. ما هو واضح أكثر من اللزوم تلك الشراكة بين النظامين السوري والإيراني في شأن كلّ ما يدور في المنطقة، من المحيط إلى الخليج. هذا ما يفسّر إلى حدّ كبير تلك العلاقة العضوية القائمة بين كلّ من “الحرس الثوري” الإيراني وبشّار الأسد، وتلك العلاقة الخاصة بين رئيس النظام السوري و”حزب الله”.
الثابت الوحيد في السنوات الثماني الماضية هو الدور الإيراني في سوريا. الثابت أيضا أن جديد سوريا، عندما تدخل ثورة شعبها سنتها التاسعة، هو مستقبل هذا الدور بعدما تبيّن أن هناك تمييزا بين نظرتي إيران وروسيا إلى بشّار الأسد ومستقبله. ففي حين، تعتبر إيران أن مستقبلها في سوريا مرتبط بشخص معيّن، ترى روسيا أنّ في استطاعتها الرهان على سوريا ككلّ وعلى ما بقي من مؤسسات الدولة فيها، خصوصا الجيش.
تدرك روسيا أن لا مستقبل لبشّار الأسد ونظامه. هذا ما يفسّر إلى حدّ ما إصرار موسكو على دستور جديد وعلى إمكان إيجاد تفاهم مع الولايات المتحدة والدول العربية وإسرائيل وتركيا على خطوط عريضة لمرحلة ما بعد بشّار الأسد. الأكيد أنّ رئيس النظام السوري بدأ يستوعب أنّ أيّامه في دمشق معدودة، وأنّ لا مستقبل سياسيا له. لو لم يكن الأمر كذلك، لما ذهب أخيرا إلى طهران من خلف ظهر موسكو، ولما وقّع تلك الاتفاقات مع الإيرانيين وشركاتهم في شأن إعادة إعمار سوريا. لا بدّ أن يكون المرء يعيش في عالم آخر حتّى يظنّ في أي لحظة أن إيران، التي تعاني من عقوبات أميركية، ستكون قادرة على المشاركة في إعادة إعمار سوريا. لنفترض أن هناك برنامجا لإعادة إعمار سوريا بكلفة يمكن أن تصل إلى نحو خمسمئة مليار دولار. من أين سيأتي المال، ثمّ هل هناك من هو مستعد لصرف أموال في سوريا من أجل أن تتولّى شركات إيرانية إعادة الإعمار؟ من هو الغبي المستعد لصرف مليارات الدولارات في سوريا كي تستفيد شركات إيرانية تابعة في معظمها لـ”الحرس الثوري”؟
يقول المنطق إن السنة التاسعة من الثورة السورية هي سنة خروج إيران من سوريا. لا مستقبل لإيران في سوريا. في نهاية المطاف، هناك كره شعبي سوري للوجود الإيراني الذي هو وجود مذهبي مخالف للطبيعة والمنطق قبل أيّ شيء آخر. بكلام أوضح، مهما فعلت إيران وميليشياتها، ومهما فعل “حزب الله”، هناك أكثرية سنّية في سوريا. هذا هو الواقع الذي لم تستطع إيران تغييره على الرغم من كلّ عمليات التطهير ذات الطابع المذهبي التي قامت بها. إيران ليست مقبولة في العراق حيث هناك أكثرية شيعية، فكيف يمكن أن تكون مقبولة في سوريا حيث الأكثرية سنّية؟
هل تستطيع إيران عقد صفقة مع الولايات المتحدة وإسرائيل في شأن وجودها في سوريا؟ الجواب أن هذا الأمر مستحيل، إلا إذا رضخت إيران لكلّ الشروط الأميركية التي حددتها الإدارة وهي 12 شرطا. من يستطيع عقد مثل هذه الصفقة مع أميركا وإسرائيل هو روسيا التي لا تزال تبحث عمّن يشتري منها الورقة السورية. هل من هدف آخر للجولة التي يقوم بها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في دول الخليج العربي غير التسويق لصفقة محورها سوريا، على أن تشمل هذه الصفقة الدول العربية الفاعلة أيضا؟