ما ينقص بوريس جونسون

ما ينقص بوريس جونسون

المغرب اليوم -

ما ينقص بوريس جونسون

خيرالله خيرالله
بقلم: خيرالله خيرالله

هرب المواطنون البريطانيون من جريمي كوربن زعيم حزب العمال الذي كان سيقود المملكة المتحدة إلى كارثة حتمية. ليس مضمونا أن يأخذهم زعيم حزب المحافظين بوريس جونسون إلى برّ الأمان، لكنّ زعيم حزب العمّال لم يترك لأكثرية الناخبين خيارا آخر غير الهرب.

 مهما حاول كوربن تصوير هزيمته بأنّها نتيجة رغبة أكثرية البريطانيين، في الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست) ورفضهم لإجراء استفتاء جديد، يبقى أن شخصية زعيم حزب العمال كانت منفّرة إلى حد كبير، خصوصا أنّه لم يعد سوى بدولة اشتراكية لا تشبه سوى بريطانيا الستينات ومرحلة ما قبل تولي مارغريت تاتشر رئاسة الوزراء في العام 1979. صوّت البريطانيون، قبل أيّ شيء، لحزب بوريس جونسون ليس حبّا به، بل كرها بكوربن ذي السياسات المضحكة، من نوع الإعجاب ببشّار الأسد، على سبيل المثال وليس الحصر.

في أواخر سبعينات القرن الماضي، استطاعت تاتشر بعد توليها زعامة المحافظين إعادة الحياة إلى الاقتصاد البريطاني وإعادة صنع دور للمملكة المتحدة بعد سنوات طويلة من القحط ميزت مرحلة ما بعد مغامرة حرب السويس في العام 1956. هل ينجح بوريس جونسون في إيجاد مكان لبريطانيا على الخريطة الأوروبية والدولية على غرار ما فعلت تاتشر التي عرفت كيف تجمع بين العلاقة الوطيدة مع أوروبا، من ضمن الاتحاد الأوروبي وليس من خارجه، ومع الولايات المتحدة في الوقت ذاته؟

اعتمدت تاتشر إلى حد كبير على العلاقة المتميّزة التي أقامتها مع دونالد ريغان الذي بقي رئيسا لأميركا من 1980 إلى 1988. هل في استطاعة بوريس جونسون تكرار التجربة مع دونالد ترامب الذي ليس معروفا هل سيتمكن من الحصول على ولاية ثانية في انتخابات تشرين الثاني-نوفمبر 2020؟

هنّأ ترامب جونسون على انتصاره “الرائع”، وهو الأوّل من نوعه للمحافظين منذ العام 1987. ليس معروفا هل لديه ما يفعله أو يقدّمه له كي يكون هذا الانتصار رائعا بالفعل.

كان بوريس جونسون المستفيد الأول من نفور البريطانيين من كوربن. أظهرت نتائج الانتخابات البريطانية أن جونسون سيمتلك أكثرية مريحة في مجلس العموم (البرلمان)، وهي أكثرية لم تتوفر للمحافظين منذ أيّام مارغريت تاتشر. باختصار شديد، تعكس نتائج الانتخابات البريطانية كرها لكوربن أكثر بكثير من الإعجاب ببوريس جونسون الذي ستثبت الأيام أنّه ليس في مستوى الآمال المعلّقة عليه. هذا عائد بشكل أساسي إلى انتهازيته من جهة وغياب الأفق السياسي لديه من جهة أخرى. ليس سيره في “بريكست” سوى نتيجة حسابات ضيّقة تتعلّق بشخصه ومستقبله السياسي لا علاقة لها بمصالح بريطانيا التي استفادت إلى أبعد حدود من وجودها في الاتحاد الأوروبي طوال سنوات، منذ اليوم الأوّل من العام 1973.

أنقذت بريطانيا نفسها من الفقر الذي كان سيقوده إليها كوربن بأفكاره اليسارية التي عفا عليها الزمن. كشفت نتائج الانتخابات أنّ هناك حدودا لغباء الجمهور البريطاني الذي صوّت في العام 2016 لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي في استفتاء لم تكن من ضرورة له. كان هناك في كلّ وقت، بعد الاستفتاء، إدراك لخطورة اتخاذ خطوة في اتجاه تنفيذ “بريكست”. يفسّر هذا الإدراك غياب القدرة لدى تيريزا ماي ثمّ لدى بوريس جونسون على تنفيذ “بريكست”.

بات بوريس جونسون يرى حاليا أن الانتخابات لم تكن مجرّد انتصار شخصي له بعد قمعه كل عصيان داخلي في حزب المحافظين. بات يعتبر نتيجة الانتخابات بمثابة استفتاء آخر أيّد فيه البريطانيون بأكثرية كبيرة الخروج من الاتحاد الأوروبي. كذلك، بات في الإمكان القول من الآن، إن “بريكست” سينفّذ أخيرا في آخر كانون الثاني-يناير المقبل.

اختارت بريطانيا طريقها بعد تردّد طويل. لكنّ ذلك لا يمنع التساؤل: أي بريطانيا بعد “بريكست”؟ من يتمعّن جيدا في صورة الوضع البريطاني يكتشف أن أمام بوريس جونسون مهمّة في غاية الصعوبة وذلك على الرغم من كلّ المصاعب التي تواجه أوروبا. هناك قبل كلّ شيء الدور المستقبلي للندن كمركز مالي عالمي استفاد إلى حدّ كبير من وجود بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. سيترتب على كلّ الشركات المالية الكبيرة والمصارف إعادة النظر في أوضاعها، بما في ذلك فائدة البقاء في لندن، في مرحلة ما بعد تنفيذ “بريكست”. ما ينطبق على الشركات المالية والمصارف ينطبق أيضا على شركات تجميع السيارات، وبينها شركات يابانية، بنت مصانع في بريطانيا باعتبار أن إنتاجها سيسوّق أيضا في أوروبا من دون عقبات.

هذا غيض من فيض الصعوبات التي سيترتب على بوريس جونسون التعاطي معها. لكنّ ما هو أهمّ من ذلك كلّه كيف ستتعاطى بريطانيا مع مئات آلاف الأوروبيين الذين يعملون فيها ومع عشرات آلاف البريطانيين الذين تقاعدوا في دول أوروبية مثل إسبانيا أو فرنسا…

ليس كافيا تحقيق انتصار انتخابي كاسح، يعود جزء منه إلى شخصية جريمي كوربن وكلّ ما يمثله من هواجس مرعبة للطبقة الوسطى البريطانية، كي تصبح الحياة وردية في بريطانيا. فالخروج من الاتحاد الأوروبي يولّد مشاكل أكثر بكثير مما يوفّر حلولا، هذا إذا استثنينا الوضع الشخصي لسياسيين مثل بوريس جونسون أو نايجل فراج. راهن الاثنان على “بريكست” لبناء مستقبل لهما من دون أن يفصحا كيف يمكن لمثل هذه الخطوة حماية العامل البريطاني من المنافسة الأوروبية.

في النهاية إنّ معظم الذين يعملون في الفنادق والمطاعم اللندنية وتلك التي في المدن الكبرى أوروبيون. هناك في كلّ مطعم وفندق فرنسيون وإسبان وإيطاليون وهناك بولنديون بعشرات الآلاف ورومان وأناس من كل الجنسيات أتوا من بلدان الاتحاد الأوروبي بما في ذلك سلوفاكيا وليتوانيا. تكمن المشكلة بكلّ بساطة في النقص الهائل للبريطانيين الذين يريدون العمل في مجالات معيّنة. وجود بريطاني يعمل في فندق أو بار أو مطعم صار استثناء. ماذا سيفعل بوريس جونسون بهؤلاء الأوروبيين؟ هل سيطردهم من أجل حماية عمالة بريطانية غير موجودة؟

عاجلا أم آجلا ستظهر نتائج تنفيذ “بريكست” والتي ستكون أهمّ بكثير من نتائج انتخابات أسفرت عن “نهاية جريمي كوربن والكوربينية”، على حد تعبير ديفيد كامرون رئيس الوزراء البريطاني الذي استقال في 2016 مباشرة بعد إعلان نتائج الاستفتاء على مغادرة أوروبا. سيلد الخروج من الاتحاد الأوروبي تحديات كبيرة يصعب على شخص مثل بوريس جونسون مواجهتها. ما لا بدّ من الاعتراف به أن رئيس الوزراء البريطاني الجديد-القديم يمتلك حدسا سياسيا استثنائيا. ما ينقصه هو الرؤية الاستراتيجية التي امتلكتها شخصية مثل مارغريت تاتشر كانت تبحث عن موقع لبريطانيا في اللعبة الدولية في حين لا همّ لبوريس جونسون سوى أن يجد موقعا لنفسه في بريطانيا…

 

قد يهمك ايضا
وضوح إيراني يقابله وضوح لبناني
الجزائر والعسكر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما ينقص بوريس جونسون ما ينقص بوريس جونسون



GMT 15:02 2020 الأحد ,09 شباط / فبراير

أنصار اسرائيل في اميركا يهاجمون المسلمين

GMT 16:11 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

من يفوز بالرئاسة الاميركية هذه المرة

GMT 17:21 2020 الجمعة ,07 شباط / فبراير

ايران وحادث الطائرة الاوكرانية

GMT 14:46 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

من دونالد ترامب الى اسرائيل

GMT 17:46 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ٢

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 21:05 2017 الإثنين ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الجهاز الفني للأحمر يُوافق على طلب وليد أزارو

GMT 22:26 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

ريتا حرب تؤكد أن تجربتها مع الجمهور المصري مرعبة

GMT 10:45 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

درس علمي بتعاوني الملحاء والمخلاف الثلاثاء

GMT 05:04 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

مهرجان "ضيافة" يعلن شروط الترشح لجائزة أفضل مدوّن في دبي"

GMT 16:36 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

العجز المالي لمولودية وجدة يبلغ 700 مليون سنتيم

GMT 02:43 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

حسن الرداد في ضيافة "أبلة فاهيتا" في "الدوبلكس"

GMT 02:50 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

سعر الدرهم المغربي مقابل الدولار الأميركي السبت

GMT 05:34 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

بغداد صباح الجمعة

GMT 03:44 2016 الخميس ,04 شباط / فبراير

علاج الدوالي في 4 أطعمة

GMT 00:42 2016 الثلاثاء ,12 تموز / يوليو

اكتشفي أسباب عدم بكاء الطفل حديث الولادة

GMT 00:58 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

وصول قيمة لاعبي منتخب المغرب نحو 100 مليون أورو

GMT 17:35 2016 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"طيران الإمارات" تستعد لتشغيل طائرة "إيربـاص A380" إلى الدوحة

GMT 11:00 2017 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشاف علاج جيني جديد يحمي المكفوفين المهددين بالعمى

GMT 14:45 2015 الثلاثاء ,13 كانون الثاني / يناير

محطة "اوكيمدن" للتزلّج تستقطب 45 ألف زائر في يومين

GMT 12:17 2015 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تساقط الثلوج في شمال باكستان يعطل الحركة ويعرقل النشاط العام
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya