حكومة مستقلّين… من دون مستقلّين

حكومة مستقلّين… من دون مستقلّين

المغرب اليوم -

حكومة مستقلّين… من دون مستقلّين

خيرالله خيرالله
بقلم: خيرالله خيرالله

شكّل "حزب الله" حكومة مستقلّين من دون مستقلين من أجل تكريس دوره اللبناني. يعني هذا الدور أنّ لبنان تابع لإيران من جهة، وأنّ هناك عودة لدور ما للنظام السوري من جهة أخرى.

على الرغم من وجود عدد قليل من الوزراء المعقولين في حكومة حسّان دياب، وهم وزراء اختيروا بغرض التمويه ليس إلا، يبقى أنّ هذه الحكومة هي حكومة لبنانية أخرى يشكّلها “حزب الله”.

شكّل “حزب الله” حكومة مستقلّين من دون مستقلين من أجل تكريس دوره اللبناني. يعني هذا الدور، بين ما يعنيه، أنّ لبنان تابع لإيران من جهة، وأنّ هناك عودة لدور ما للنظام السوري عبر شخصيات مثل جميل السيّد وغيره من جهة أخرى. لا يمكن تجاهل دور جميل السيّد، المدير السابق للأمن العام، في تشكيل الحكومة، وهو ما التقطه الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، وأشار إليه بأسلوب جمع بين الألمعية والظرافة…

في النهاية، يمكن وضع أسماء كلّ الوزراء جانبا، وطرح سؤال في غاية البساطة: ما الذي تستطيع مثل هذه الحكومة عمله من أجل إخراج لبنان من حال الانهيار التي يعاني منها. يظلّ أهمّ تعبير عن حال الانهيار احتجاز المصارف لأموال اللبنانيين والعرب والأجانب الذين وضعوا ثقتهم في البنوك اللبنانية. فوق ذلك كلّه، تعطّل الدور المالي للبنان إلى درجة لم يعد في استطاعة المواطن أو المقيم أو صاحب الحساب المصرفي… أو صاحب شركة القيام بأي تحويل إلى خارج البلد. يشير ذلك إلى أن لبنان الذي عرفناه لم يعدْ قائما.

المخيف أنّ ليس في الحكومة الجديدة من هو قادر على استيعاب معاني الكارثة اللبنانية ذات الأبعاد المختلفة.

الأسوأ من ذلك، أن ليس فيها من يمتلك القدرة على التعاطي مع الجهات الخارجية التي في استطاعتها إنقاذ ما يمكن إنقاذه من بلد اسمه لبنان.

تمثّل حكومة حسّان دياب كلّ ما كان يُفترض بلبنان تفاديه خصوصا أنّ رئيس مجلس الوزراء الجديد لا يمتلك، خلافا لما يعتقده، أي قنوات اتصال فعّالة مع الخارج من جهة، كما أنّ الوزراء لا يستطيعون تكوين فريق عمل متكامل ينفّذ الإصلاحات المطلوبة، أقلّه من أجل الحصول على المساعدات التي أقرّها مؤتمر “سيدر” الذي انعقد في باريس في نيسان – أبريل من العام 2018. هناك ركيزتان أساسيتان لـ”سيدر”. الأولى الإصلاحات الجذرية المطلوبة، والأخرى التعاون بين القطاعيْن العام والخاص، بل الشراكة بينهما. قد يكون هناك وزير أو وزيران أو ثلاثة أو أربعة يستوعبون هذه المعادلة التي تقوم على الإصلاحات والتعاون بين القطاعين والتي تشكّل مدخلا لمخرج من حال الانهيار. أمّا الباقون فهم في عالم آخر، عالم الانغلاق على الذات الذي يترافق مع الاعتقاد بأن لبنان مهمّ كورقة في المواجهة بين إيران وأميركا، وأنّ نظام بشّار الأسد قابل لإعادة التأهيل. هذه وصفة لتكريس حال الانهيار التي بلغها لبنان، وهي تكشف عُقم الطبقة السياسية التي شكّلت مثل هذه الحكومة.

هذه ليست المرّة الأولى التي يشكّل فيها “حزب الله” حكومة في لبنان. سبق له أن شكّل مثل هذه الحكومة برئاسة نجيب ميقاتي بعدما أسقط الحزب حكومة سعد الحريري في كانون الثاني – يناير من العام 2011. تميّزت حكومة نجيب ميقاتي، التي دخلها حسّان دياب كوزير للتربية، بوجود عدد لا بأس به من الوزراء العَوْنيين، أي التابعين لميشال عون، فيها. لكنّ ما كان لافتا أن رئيس مجلس الوزراء وقتذاك، الذي كانت لديه أسبابه السورية الخاصة لقبول تشكيل حكومة من لون محدّد، صمد في وجه ضغوطات كثيرة وحافظ على ثوابت معيّنة لم يتزحزح عنها، خصوصا عندما كان يتعلّق الأمر بمشاعر الجمهور السنّي المنتشر في كلّ المناطق اللبنانية…

لعلّ جديد المرحلة الراهنة أنّ ثمّة فارقا شاسعا بين نجيب ميقاتي وحسّان دياب الذي اختير عن سابق تصوّر وتصميم لتشكيل الحكومة، كي يثبت “حزب الله” أنّه بات يتحكّم بموقع رئيس مجلس الوزراء السنّي، تماما مثلما يختار من هو رئيس الجمهورية الماروني (المسيحي).

هل يمكن لحكومة تشكّلت بذهنية من هذا النوع أن يكون لها مستقبل ما أم أنّها حكومة الإشراف على الانهيار اللبناني في مراحله الأخيرة، في وقت يبدو أن السلطة السياسية لا علاقة لها بما يدور في لبنان وحوله، بل تركت “حزب الله” يقرّر ما يجب أن يكون عليه البلد وكيف يجب أن تكون حكومته.

بكلام أوضح، لا تدري القيادة السياسية في لبنان أنّ لا مجال للجوء إلى بعض المستشارين أو الأسماء غير المعروفة وإدخال هؤلاء إلى الحكومة لتوجيه رسالة إلى العرب والمجتمع الدولي فحواها أنّ “حزب الله” يتمتع بتمثيل من النوع المبطّن في الحكومة فقط. العالم كلّه يعرف أن حكومة حسّان دياب هي حكومة “حزب الله”، وأنّ هناك عقوبات أميركية وأوروبية على “حزب الله”. كلما مرّ يوم يزداد عدد الدول التي تشكو من “حزب الله”، بما في ذلك في الأميركتين الجنوبية والوسطى. لا شكّ أن العقوبات الأميركية، وغير الأميركية، على “حزب الله” فرضت على المصارف اللبنانية قيودا معيّنة أثرت على نشاطها، في وقت صار على لبنان تأمين حاجة السوق السورية إلى الدولار أيضا.

يظلّ أخطر ما في الأمر تلك الرهانات الخاطئة على أن إيران ما زالت في مرحلة صعود، وأن النظام السوري لا يزال قابلا للحياة وأنّه يمثّل مستقبل سوريا ولبنان أيضا. من يقدم على مثل هذه الرهانات في المرحلة الراهنة ويشكّل حكومة مستقلّين من دون مستقليّن، إنّما يراهن على سراب ويرتكب جريمة في حقّ لبنان واللبنانيين ومستقبل أولادهم. لا يشبه الرهان على “الجمهورية الإسلامية” والنظام السوري سوى الرهان في الأعوام 1988 و1989 و1990 على نظام صدّام حسين. كان وقتذاك رئيس الجمهورية الحالي ميشال عون في قصر بعبدا كرئيس لحكومة موقتة مهمتها تأمين انتخاب رئيس للجمهورية. كانت نتيجة الرهان على صدّام حسين حربا على مناطق لبنانية عدّة ثم حربا مسيحية – مسيحية أسفرت عن أكبر عملية تهجير للمسيحيين من لبنان!

كانت هناك في تلك المرحلة أطراف عربية وأوروبية ودولية متمسّكة بإنقاذ لبنان، خصوصا بعد إقرار اتفاق الطائف لبنان.

لا يدري الذين شكّلوا الحكومة الراهنة في ظلّ ثورة شعبية حقيقية، تحوّلت للأسف إلى أعمال عنف في بعض الأحيان، أنّه لم يعد هناك من يريد إنقاذ لبنان. لا بين العرب ولا بين الأميركيين. ما دام لبنان يريد أن يكون جرما يدور في الفلك الإيراني، ليس هناك من يهمّه أمره. على العكس من ذلك ليذهب أولئك الذين شكّلوا حكومة حسّان دياب إلى النهاية في رهانهم الذي يبدو الطريق الأقصر إلى الكارثة…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حكومة مستقلّين… من دون مستقلّين حكومة مستقلّين… من دون مستقلّين



GMT 15:17 2020 الأربعاء ,12 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ١

GMT 15:15 2020 الثلاثاء ,11 شباط / فبراير

أخبار اسرائيل سيئة مثلها

GMT 18:43 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

ديكارت ومحافظ البصرة

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 18:14 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

محاضرة بتعاوني جنوب حائل السبت

GMT 23:59 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مواهب صغيرة تُشارك في الموسم الثاني لـ "the Voice Kids"

GMT 18:15 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيونسيه تسحر الحضور بـ"ذيل الحصان" وفستان رائع

GMT 22:17 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

جمارك "باب مليلية" تحبط عشر عمليات لتهريب السلع

GMT 02:20 2015 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

أصغر لاجئة في "الزعتري" تجذب أنظار العالم لقسوة معيشته

GMT 01:31 2016 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مريهان حسين تنتظر عرض "السبع بنات" و"الأب الروحي"

GMT 02:54 2016 الخميس ,08 كانون الأول / ديسمبر

مي عمر سعيدة بالتمثيل أمام الزعيم عادل إمام

GMT 18:21 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلة فوز الوداد.. الرياضة ليست منتجة للفرح فقط

GMT 01:10 2016 الأحد ,10 تموز / يوليو

الألم أسفل البطن أشهر علامات التبويض

GMT 12:16 2014 الأربعاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

عروض الأفلام القصيرة والسينمائية تتهاوى على بركان الغلا

GMT 02:30 2017 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أفضل الجزر البريطانية لالتقاط صور تظهر روعة الخريف

GMT 13:57 2016 الأربعاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

"الفتاة في القطار" تتصدر قائمة نيويورك تايمز

GMT 04:56 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار مستحدثة لديكور غرف نوم بدرجات اللون الرمادي

GMT 23:44 2017 الجمعة ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شمال الأطلنطي يحسم بطولة كأس الجامعات القطرية للرجال

GMT 00:37 2016 الثلاثاء ,16 شباط / فبراير

"كورشوفيل" أفضل منتج للتزلَج على مستوى العالم

GMT 18:39 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

بطولة التنس الختامية تشهد بطلًا جديدًا يشارك للمرة الأولى
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya