الدين والدولة… في موسم أصيلة

الدين والدولة… في 'موسم أصيلة'

المغرب اليوم -

الدين والدولة… في موسم أصيلة

بقلم : خيرالله خيرالله

لا بد من التذكير بأن مفكري النهضة، مسلمين ومسيحيين ويهودا وعلمانيين، اجتهدوا قدر معرفتهم وتصوروا حلولا للإشكال المتمثل في العلاقة بين الدين والدولة، فلماذا لا نكمل مسيرتهم ونعيد الاعتبار إلى جوهر فكرهم.

في “موسم أصيلة”، هناك من يتجرّأ على قول كلام لا يتجرّأ على قوله آخرون في معظم أنحاء المنطقة، خصوصا لدى طرح موضوع شائك مثل “النخب العربية والإسلامية: الدين والدولة”. يدل ذلك على أن المملكة المغربية، بفضل التجارب التي مرّت بها، وبفضل الملك محمّد السادس أوّلا، قادرة على أن تقدم، بالفعل، نموذجا يسمح بمعالجة المشاكل المستعصية التي تعاني منها المنطقة العربية خصوصا والعالم الإسلامي عموما وذلك من دون عقد من أي نوع. هذه المشاكل التي يبدو المغرب حالة فريدة في التصدي لها، تشبه الدوران في حلقة مغلقة أكثر من أيّ شيء آخر في عالم يتغيّر بسرعة مذهلة بسبب الثورة التكنولوجية.

لعلّ أفضل من عبّر عن التوجه الذي يعكس القدرة المغربية على المساهمة في لعب دور إيجابي على الصعيدين العربي والإسلامي رجل اسمه محمّد بن عيسى، رئيس بلدية أصيلة والأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة ووزير الخارجية والتعاون المغربي سابقا.
    
في الكلمة التي افتتح بها ندوة “النخب العربية والإسلامية: الدين والدولة”، لم يحاول محمد بن عيسى الالتفاف على الموضوع. قال كلاما مباشرا يدل على أنّه لا يهمّه إلقاء اللوم على الآخر والهرب من المسؤولية. أشار في البداية إلى أن “المطلب مازال قائما لتنظيم مؤتمر كبير يعالج موضوع انحسار النخب العربية والإسلامية أمام ما يتهدّد مجتمعاتها وأوطانها”.

هناك نقطتان لا بدّ من التوقف عندهما في كلام بن عيسى الذي حرص على تأكيد أنّه “لا يجرؤ أي مفكر في الظرف الراهن على تبرئة النخب من بعض مسؤولياتها وتبرير تقاعسها في التعاطي مع ما لم يكن في الحسبان، ولماذا أُقصيت أو أقصت نفسها عن المعترك؟”.

بالنسبة إلى النقطة الأولى التي لا بد من التوقف عندها في الكلمة، فهي متعلّقة بدور رجال الدين. يقول الأمين العام لمنتدى أصيلة في هذا المجال “لا بد من التأكيد أنّه لا يمكن فصل الدين وعـزله عن الممارسات والتوجهات التي يمارسها الأفراد والجماعات في المجتمعات العربية والإسلامية، علما أنّ دروس التاريخ تعلّمنا أن رجال الدين خصوصا المنغلقين منهم، حينما يتولّون أمور الدولة لا تسلم العاقبة دائما بخير”.

أما النقطة الأخرى التي لا بدّ من التوقف عندها، فهي المتعلقة بالمغرب وما مرّ ويمرّ به. إنها سؤال قبل أي شيء آخر، ذلك أن القصد هو حثّ النخب العربية والإسلامية كي تُعمِل التفكير وتحاول صياغة منظومة تنظم العلاقة بين الدين والدولة وتؤسس لها. ليس ضروريا أن تسمّى علمانية، كفعل لتبعية أو تقليدا للغرب، خصوصا إذا تأسست المنظومة المبتغاة على مبادئ تتعايش في ظلّها الطوائف والمعتقدات والملل والنحل. هل هذا ممكن؟.

هنا وفي سياق الإجابة عن السؤال يستحضر محمد بن عيسى أن “كثيرين يأخذون العبر من التجربة المغربية والطريقة التي عالج بها أمير المؤمنين الملك محمد السادس إشكالية تحديث الدولة ومؤسساتها دون تعارض مع المقومات الدينية والحضارية التي تميّز المجتمع المغربي ماضيا وحاضرا”.

ذهب الرجل بعيدا في قوله إنه “لا بد من التذكير بأن مفكري النهضة، مسلمين ومسيحيين ويهودا وعلمانيين، اجتهدوا قدر معرفتهم وتصوروا حلولا للإشكال المتمثّل في العلاقة بين الدين والدولة، فلماذا لا نُكمل مسيرتهم ونعيد الاعتبار إلى جوهر فكرهم؟”.

هذه شجاعة كبيرة في الطلب من النخب العربية والإسلامية تنفيذ مهمات محددة “لا تقبل التأجيل لإثبات حضورها في المجتمع كقوة تستطيع تقديم اقتراحات وتستطيع ممارسة ضغوط توجه نحو ما ينبغي أن يكون عليه التحديث والتقدم وتشييد صرح الحكم الرشيد”.

مع مرور السنوات، هناك ما لم يتغيّر في “موسم أصيلة”. ما لم يتغيّر هو هامش الحرية على الصعيد الفكري والقدرة على التجدد. بقيت أصيلة واحة صغيرة في واحة كبيرة اسمها المغرب.

ما تغيّر هو أصيلة نفسها. من قرية للصيادين على المحيط الأطلسي، غير بعيدة كثيرا عن طنجة، هناك الآن بلدة بكلّ معنى الكلمة تعج بالناس في فصل الصيف. هناك استثمار في ثقافة الحياة في أصيلة. هناك شعور بأن البلدة تتقدم على كل الصعد. يظل البعد الإنساني البعد الأهمّ لما تحقّق في البلدة ومن خلالها. هناك حتّى تحسن في أذواق الموجودين في شوارع أصيلة وفي شكل الوجوه، التي صارت وجوها باسمة، في معظمها طبعا. بدأ أهل أصيلة وزوارها يتعودون على ضرورة تطوير ذوقهم، بما في ذلك في المجال الفني، من نحت ورسم وموسيقى.

لم تعد أصيلة حدائق وأماكن عامة فرحة فحسب، بل صارت أيضا ساحات فيها منحوتات لفنانين مغاربة وحفلات موسيقية ذات مستوى رفيع. صارت أصيلة ترمز، باختصار، إلى أحد جوانب النهضة المغربية في عهد الملك محمّد السادس، وهي نهضة تتجاوز البنى التحتية إلى الإنسان. الإنسان المغربي أوّلا. خدمة الإنسان المغربي هدف بحد ذاته في المملكة التي يعتبر فيها محمد السادس أن الحرب على الفقر والتخلف، تبقى أهمّ الحروب المطلوب خوضها.

يؤكّد التطور الذي تشهده أصيلة، والذي لا يلاحظه إلا من يغيب عن البلدة فترة من الزمن تسمح له برؤية الفارق، الاستثمار المجدي في كلّ ما له علاقة بالإنسان فضلا عن أهمّية الحوار. هذا الحوار، الذي لا يخشى المحرمات والعقد، أتاح لـ“موسم أصيلة” مواكبة التغييرات العميقة التي يشهدها العالم. لخص وزير الخارجية الأسباني السابق، ميغيل أنخيل موراتينوس، في مداخلة له في أصيلة الوضع العالمي بقوله “علينا إعداد أنفسنا لتغييرات كبيرة في هذا العالم”. أشار إلى أن الناس في الشارع أوقفوا انقلابا عسكريا في تركيا وإلى أنّه “سيتوجّب على الأمم المتحدة نفسها أن تتغيّر”.

لا أجوبة عن الأسئلة المطروحة في ما يخصّ مرحلة المخاض التي يمرّ فيها العالم. لكن محمد بن عيسى حاول ذلك كاشفا أنّه لا يزال يلعب دور المحرّك في موسم ثقافي عمره نحو أربعة عقود. حرّك، بين ما حرّك، في أصيلة نقاشا في شأن المنظمات غير الحكومية ومدى ارتباطها بالدول أو الجهات التي تمولها.

كان نقاشا مثيرا للاهتمام، أقلّه من زاوية أن مثل هذا النوع من النقاشات يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية من دون الوصول إلى نتيجة أو خلاصة أو رأي موحد. لكن علي عبدالله خليفة، المستشار في الديوان الملكي البحريني، أعطى صورة موجزة عن الدور الذي يمكن أن تلعبه منظمات المجتمع المدني في دعم دولة مثل البحرين يمتلك شعبها تجربة مهمة وغنيّة سمحت له بالصمود في وجه العواصف التي تتعرض لها المملكة، وذلك منذ قيام “أسرة الأدباء والكتاب” في العام 1969، أي قبل الاستقلال، ثم “الملتقى الثقافي الأهلي” الذي حلّ مكانها في العام 1995.

كان هناك صعود ونزول في ندوات هذه السنة. كان هناك أشخاص من مستويات متفاوتة تماما شاركوا في النقاشات التي تخللت “موسم أصيلة” في 2016. على الرغم من ذلك، يبقى أن لا بديل من أصيلة في عالمنا العربي الممتد من المحيط إلى الخليج… أو ما بقي منه.

يظلّ أهمّ ما في أصيلة، أصيلة نفسها وكيف أثرت التجربة إيجابا على المواطن ابن البلدة نفسها، أو على المغربي بشكل عام. تغيّر العالم وتغيرت المنطقة. لكن أصيلة بقيت تتغيّر نحو الأحسن والأفضل من دون أن تتغيّر أصالتها. باختصار شديد، تبقى أصيلة المكان الذي يقال فيه “نحن مجبرون على التحليق في هذا الكوكب الذي نتقاسمه مع الآخرين… فالتغيير لا يكون بالخبز وحده ولا بالفكر وحده، وإنّما بثلاثية الأدوار المتمثلة في لقمة العيش، ومنارة النخب، والقيادة السياسية الحكيمة”.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدين والدولة… في موسم أصيلة الدين والدولة… في موسم أصيلة



GMT 18:13 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

لا ثقة بحكومة حسّان دياب

GMT 15:45 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

أوراق إيران التي ذبلت

GMT 09:52 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

أكثر من أي وقت… نفتقد نسيب لحّود

GMT 09:43 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

سقوط آخر لبريطانيا

GMT 09:51 2020 الأحد ,02 شباط / فبراير

عندما يهرب لبنان إلى "صفقة القرن"

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 03:11 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

مواصفات "بي ام دبليو M2 Competition Package" قبل الكشف عنها

GMT 23:11 2018 الإثنين ,09 إبريل / نيسان

"ملف المغرب 2026 "يحظى بدعم قوي من روسيا وفرنسا

GMT 00:22 2018 الأربعاء ,31 كانون الثاني / يناير

أتلتيك بيلباو يدعم صفوفه من ريال سوسييداد بضم مارتينيز

GMT 14:33 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

الألوان المضيئة والبراقة موضة 2018

GMT 20:59 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

الفرقة الوطنية تدخل على خط اختلاس مليار و200 مليون سنتيم

GMT 13:58 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

ديون الرجاء في "الفيفا" تبلغ 600 ألف دولار

GMT 06:35 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تستخدم قناة "روسيا اليوم" للتأثير على الشعوب
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya