سقط تلفزيون لبنان لكن لبنان لم يسقط بعد

سقط 'تلفزيون لبنان'.. لكن لبنان لم يسقط بعد

المغرب اليوم -

سقط تلفزيون لبنان لكن لبنان لم يسقط بعد

خيرالله خيرالله

كان ما فعله 'تلفزيون لبنان' سقطة كبيرة. ربما استخدمه 'حزب الله' للرد على الموقف الرسمي اللبناني الذي عبر عنه الرئيس تمام سلام في القمة العربية الأخيرة في شرم الشيخ.

مهين للبنان واللبنانيين ولكلّ عربي يمتلك حدّا أدنى من الوفاء والكرامة أن ينقل التلفزيون الرسمي حديثا للأمين العام لـ”حزب الله” الهدف منه، بين أهداف أخرى، شن حملة على المملكة العربية السعودية.

حشر”تلفزيون لبنان” نفسه في شأن لا دخل له فيه. نقل حديثا كان يجريه حسن نصرالله مع “الإخبارية السورية” وهي محطة تابعة للنظام السوري. أخطأ مرتين وليس مرّة واحدة عندما قبل أن يُستخدم في تصفية حسابات إيرانية مع السعودية، وعندما قبل أن يكون نسخة طبق الأصل عن محطة من محطات النظام السوري.

يدلّ ذلك على أن لا علاقة لوزير الإعلام، الذي يفترض أن يكون مشرفا على التلفزيون الرسمي، بالإعلام. كما يدلّ على أن المشرفين المباشرين على المحطة الرسمية، هواة في الإعلام أكثر من أيّ شيء آخر. ما الذي يُجبر هؤلاء، بدءا برئيس مجلس الإدارة، على إيجاد هذا الرابط مع محطة تروّج لنظام يذبح شعبه يوميا؟

معروف أن الأمين العام لـ”حزب الله” مضطر إلى الحديث إلى مثل هذه المحطة السورية. ثمّة حاجة إيرانية إلى تخفيف الاحتقان الداخلي، في أوساط النظام تحديدا، خصوصا بعدما بدأ الضباط السوريون يشكون من الهيمنة الإيرانية على البلد. إنّها هيمنة عسكرية وسياسية في الوقت ذاته، تشمل كلّ القرارات المرتبطة بمستقبل سوريا والقرارات الكبيرة التي صارت تتخذ في طهران وليس في دمشق.

لعلّ أفضل تعبير عن هذا الواقع ما حلّ باللواء رستم غزالة، بكلّ سفالته، الذي كان على رأس أحد الأجهزة الأمنية (الأمن السياسي) والذي لم يدرك أنّه كان عليه تسليم قصره في قرفا القريبة من درعا لـ“الحرس الثوري”، بدل نسفه وتوثيق عملية النسف وإنزالها في “يوتيوب”.

هناك ما هو أبعد من نقل “تلفزيون لبنان” المقابلة السورية مع حسن نصرالله. تبيّن مدى سيطرة “حزب الله” على المؤسسات التابعة للدولة اللبنانية من جهة، وسلوك الحزب من جهة أخرى. لم يعد من مشرف على مؤسسة لبنانية، باستثناء قلّة، يتجرّأ على قول كلمة لا للحزب، الذي هو في نهاية المطاف لواء في “الحرس الثوري” الإيراني. من لديه أدنى شكّ في ذلك، يستطيع أن يسأل نفسه ما مصلحة لبنان في جعل التلفزيون الرسمي في خدمة إيران؟ هل كان ذلك ممكنا لولا أن الحزب تحوّل إلى دولة، فيما الجمهورية اللبنانية دويلة داخل هذه الدولة؟

أكّدت إيران مرّة أخرى، وبما لا يدع مجالا لشك، أنّها تعتبر لبنان جزءا لا يتجزّأ من المحور الممتد من طهران إلى مارون الراس في أقصى جنوب لبنان. هذا المحور يمرّ ببغداد ودمشق وبيروت.

كان همّ “حزب الله” في السنوات الأخيرة عزل لبنان عن محيطه العربي. لم يعد من سائح أو زائر أو مستثمر عربي في لبنان. مطلوب نشر البؤس في لبنان كي تسهل السيطرة عليه والتحكّم بمؤسساته.

لم يكن اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه “حادثا” كما يقول حسن نصرالله عادة، وكما عاد وردّد في المقابلة الأخيرة التي نقلها “تلفزيون لبنان”. كانت الجريمة نقطة تحوّل في عملية وضع اليد على لبنان. كانت الجريمة خطوة على طريق تفريغ لبنان من العرب، وضرب الاقتصاد تمهيدا لإغراقه بلبنانيين عاطلين عن العمل يأتون من دول الخليج.

لم يحدث شيء بالصدفة في لبنان، بما في ذلك خروج الجيش السوري ليحلّ مكانه “حزب الله” الذي سارع إلى ملء الفراغ الأمني والعسكري الناجم عن الانسحاب السوري.

هل صدفة أن “حزب الله” لم يكن مهتمّا بدخول الحكومة اللبنانية بشكل مباشر في عهد الوصاية السورية؟ لم يعد مصرّا على الوجود المباشر في الحكومة إلا بعد اغتيال رفيق الحريري. أراد التأكيد أن الوصاية ما زالت قائمة، لكنّ انتقالا حصل من السوري إلى الإيراني ليس إلا؟

ما شهدناه عبر “تلفزيون لبنان” كان فصلا جديدا من فصول الانقلاب الكبير، الذي بدأ باغتيال رفيق الحريري الذي ربط العرب بلبنان، وربط لبنان بالعرب. لا يزال “حزب الله”، ومن خلفه إيران طبعا، يعمل على فكّ هذا الارتباط التاريخي ونقل لبنان إلى موقع آخر.

لم تكن حكومة “حزب الله” برئاسة شخصيّة سنّية من طرابلس، هي النائب نجيب ميقاتي، سوى فصل بارز ومفصلي في هذا الانقلاب الكبير. ففي عهد هذه الحكومة التي فرضتها قوّة السلاح غير الشرعي، بدأ السكوت الرسمي عن التهديدات الموجّهة لكلّ خليجي يزور لبنان. لم تتخّذ حكومة “حزب الله” أيّ موقف حازم من “الجناح العسكري” في هذه العائلة أو تلك. وفي عهد تلك الحكومة رُفعت التأشيرة بالنسبة إلى الإيرانيين الراغبين في المجيء إلى لبنان.

انتقلت إيران في سياستها اللبنانية التي تنفّذ عبر ميليشيا مذهبية مسلّحة إلى مرحلة جديدة. إنّها مرحلة جعل اللبناني المقيم في دول الخليج، على رأسها السعودية، مهدّدا بلقمة عيشه. الأمل كبير في تفادي دول الخليج الردّ على ما يصدر عن حسن نصرالله. فأيّ إبعاد لأي لبناني عامل في الخليج، هو بمثابة سقوط في الفخّ الإيراني. ليس لدى إيران ما تقدّمه للبناني غير السلاح وربّما بعض المال الذي يغنيه عن العمل الجدي، أي بما يساهم في جعل الاقتصاد اللبناني اقتصادا ريْعيا، بدل أن يكون اقتصادا منتجا.

كان ما فعله “تلفزيون لبنان” سقطة كبيرة. ربّما استخدمه “حزب الله” للردّ على الموقف الرسمي اللبناني الذي عبّر عنه الرئيس تمام سلام في القمة العربية الأخيرة في شرم الشيخ. بالطبع، كان موقف رئيس مجلس الوزراء اللبناني تعبيرا عن أنّ لبنان ما يزال، إلى إشعار آخر، دولة تحترم نفسها، وعضوا مؤسسا في جامعة الدول العربية.

قبل عشر سنوات، استشهد رفيق الحريري. استشهد من أجل لبنان. من أجل أن يبقى لبنان دولة عربية حضارية موجودة على خريطة الشرق الأوسط بهذه الصفة، وليس بصفة كونها ذيلا لإيران.

واضح أنّ لبنان ما يزال يقاوم. الإصرار على المقاومة زاد من شراسة الهجمة الإيرانية التي كشفت أنّ “حزب الله” ليس معنيا، بمصلحة لبنان ولا بمصلحة أبنائه. كيف يكون هناك مواطن، يحمل الجنسية اللبنانية، يرفض الاعتراف بأنّ السعودية لم تتوقف يوما عن مساعدة لبنان بكلّ الطرق والوسائل الممكنة. هل حاولت المملكة يوما فرض شيء على لبنان واللبنانيين؟

بعض الوفاء ضروري، أقلّه حماية للبنان واللبنانيين واحتراما للذات وللواقع وللحقائق التي تؤكّدها الأرقام قبل أيّ شيء آخر.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سقط تلفزيون لبنان لكن لبنان لم يسقط بعد سقط تلفزيون لبنان لكن لبنان لم يسقط بعد



GMT 14:23 2020 الأحد ,05 تموز / يوليو

بعض شعر العرب - ٢

GMT 08:03 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

وعادت الحياة «الجديدة»

GMT 07:58 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

المغامرة الشجاعة لمصطفى الكاظمي

GMT 07:54 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

لى هامش رحلة د. أبوالغار

GMT 07:51 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

«28 مليون قطعة سلاح»

GMT 07:48 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

الفيس.. والكتاب!

GMT 10:48 2020 السبت ,27 حزيران / يونيو

الأطباء ورئيس الوزراء

GMT 10:46 2020 السبت ,27 حزيران / يونيو

وداعًا للشيشة!

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 03:11 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

مواصفات "بي ام دبليو M2 Competition Package" قبل الكشف عنها

GMT 23:11 2018 الإثنين ,09 إبريل / نيسان

"ملف المغرب 2026 "يحظى بدعم قوي من روسيا وفرنسا

GMT 00:22 2018 الأربعاء ,31 كانون الثاني / يناير

أتلتيك بيلباو يدعم صفوفه من ريال سوسييداد بضم مارتينيز

GMT 14:33 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

الألوان المضيئة والبراقة موضة 2018

GMT 20:59 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

الفرقة الوطنية تدخل على خط اختلاس مليار و200 مليون سنتيم

GMT 13:58 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

ديون الرجاء في "الفيفا" تبلغ 600 ألف دولار

GMT 06:35 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تستخدم قناة "روسيا اليوم" للتأثير على الشعوب
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya