إيران ومرحلة فقدان التوازن

إيران ومرحلة فقدان التوازن

المغرب اليوم -

إيران ومرحلة فقدان التوازن

بقلم : مصطفى فحص

بين الحاجة المُلحة للحفاظ على نفوذها الإقليمي الذي يشكل الجزء الأهم من شريعة النظام المرتبط بتكوينه العقائدي، وبين الداخل الذي تتفاقم يوماً بعد يوم أزماته المعيشية التي يصعب حلها أو معالجتها نتيجة لتراكم الأخطاء السياسية والاقتصادية، إضافة إلى الانشغال بالتوسع الخارجي الذي أرهق خزينة الدولة على حساب تطلعات الداخل، في تكرار فاشل للتجربة السوفياتية التي بنت مجدها الأممي من دون مراعاة أدنى متطلبات المواطن الروسي، فإن طهران المُصرة على استنساخ تجربة جيرانها السوفيات ساهمت في صنع مشهد استقرار مزيف، لانتصارات خارجية، ترافقت مع استعراض للقوة، وتهويل ضد الأعداء في زمن الزعيم ليونيد بريجنيف، لا تختلف عن الممارسات الداخلية للنظام الإيراني ضد شعبه، وعن كلامه الدائم عن أنه يحقق الانتصارات على الاستكبار العالمي الذي هزم على يد طهران في المنطقة.
التشابه بين المرحلة السوفياتية التي قادها بريجنيف والمرحلة الإيرانية التي يقودها المرشد علي خامنئي، والتي أدت أخطاؤها الاستراتيجية إلى انقلابات عميقة في شكل النظام السوفياتي أوصلت إلى طرح البروسترويكا، في محاولة يائسة لإنقاذه، لكنها في النهاية مهدت لسقوطه، وهو ما يمكن إسقاطه على الوضع الإيراني الحالي الذي يروج صناع قراره إلى أن تجربتهم الشعبوية والعقائدية أمتن من التجربة السوفياتية وأكثر رسوخاً، فيما الوقائع تشير إلى أن النظام الإيراني بشقية «الدولة والثورة» بحاجة ملحة إلى خطوات جبارة لكي تنقذه من مصيره السوفياتي.
فحجم الترهل البنيوي في تركيبته جعله غير قادر على القيام بأي خطوات تغييرية، خصوصاً أن الأجنحة الثورية التي تصنع القرار تدرك حجم الخلل في تركيبته، الذي يمنع القيام بأي خطوة إصلاحية لأنها على الأرجح ستكون مدخلاً لمزيد من التغيرات في شكل النظام وفي سلوكه، وهي تتجنب الإصلاحات خوفاً من أن تصطدم مع البنية العقائدية التي تعد أحد أهم شروط بقائه.
وبهذا الصدد، يقول الخبير في الشؤون الإيرانية الأستاذ أسعد حيدر، في مقال له في صحيفة «المستقبل» اللبنانية (إيران في الزمن البريجنيفي)، معلقاً على خطاب المرشد الإيراني علي خامئني أمام حشد كبير من قوات الباسيج، الذي أكد فيه الانتصارات الإيرانية في الشرق الأوسط على الرغم من الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها بلاده، يقول أسعد حيدر: «إن الوجود في المنطقة والسلاح الصاروخي هما من (عناصر الاقتدار الإيرانية)، لكن المأزق الذي يعقد أمور كل هذه القوة وهذا الانتشار يقع في أنه توجد مشكلات اقتصادية وضائقة معيشية لقسم كبير من ذوي الدخل المحدود في البلاد. هذا الاعتراف من خامنئي مهم ومتفوق على بريجنيف، وكل المكتب السياسي للحزب الشيوعي الحاكم، الذين لم يجسروا على الكلام عن معاناة الشعب في الحصول على القليل مما يحتاجه، أو حتى الذي يتخّيله».
يكابر النظام الإيراني، ولا يرغب في الاعتراف بعمق الأزمة، وهو الذي يعلم أن الزيت عندما يحتاجه البيت يُحرم على المسجد، وحاجة الشعب الإيراني إلى زيت بلاده ستزداد كلما اقتربنا من موعد 4 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، موعد فرض الولايات المتحدة أقصى عقوبات اقتصادية ومالية تاريخية على إيران، التي ستترك آثاراً مباشرة على نفوذها الخارجي، لذلك لجأت طهران إلى تسهيل تشكيل الحكومة العراقية، أملاً في أن تساعدها في الالتفاف على العقوبات المالية، وهي تناور مع حلفائها اللبنانيين من أجل الوصول إلى تشكيلة حكومية يكون بمقدورها التخفيف من الأعباء المالية على طهران، وأن تُشكل البديل للاحتياجات اللوجيستية والخدماتية التي كانت تقدمها طهران لجماعتها في لبنان، إضافة إلى حاجة طهران الملحة لاستخدام النظام المصرفي اللبناني كممر لتجاوز العقوبات المالية عليها، إلا أن محاولة الرهان على الحكومتين العتيدتين في بيروت وبغداد في التواطؤ مع طهران لتجنب العقوبات، قد تعرضهما أيضاً لعقوبات أميركية قاسية ستراكم من أزماتها المعيشية التي تكاد تصل إلى انهيارات اقتصادية كاملة.
وعليه، فإن ملامح مشهد إيراني غير متوازن في الداخل والخارج تتشكل عشية الرابع من نوفمبر، وتوحي بأن اضطرابات سياسية وشعبية في طريقها للواجهة، خصوصاً بعد تصاعد الأزمة بين حكومة روحاني والبرلمان المتشدد الذي يستمر بسياسة إقصاء الوزارة، من أجل تحميل روحاني وفريقه مسؤولية الأزمة الاقتصادية، فيما النظام يحشد فِرَقه من أجل الاستعداد لأكبر عملية قمع قد تشهدها إيران، بعد أن يفقد المواطن الإيراني القدرة على تأمين قُوته اليومي، فيما نظامه منشغل بتجارب إطلاق الصواريخ البعيدة المدى، ولا يريد التعلم من تجارب الآخرين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران ومرحلة فقدان التوازن إيران ومرحلة فقدان التوازن



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 18:14 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

محاضرة بتعاوني جنوب حائل السبت

GMT 23:59 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مواهب صغيرة تُشارك في الموسم الثاني لـ "the Voice Kids"

GMT 18:15 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيونسيه تسحر الحضور بـ"ذيل الحصان" وفستان رائع

GMT 22:17 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

جمارك "باب مليلية" تحبط عشر عمليات لتهريب السلع

GMT 02:20 2015 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

أصغر لاجئة في "الزعتري" تجذب أنظار العالم لقسوة معيشته

GMT 01:31 2016 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مريهان حسين تنتظر عرض "السبع بنات" و"الأب الروحي"

GMT 02:54 2016 الخميس ,08 كانون الأول / ديسمبر

مي عمر سعيدة بالتمثيل أمام الزعيم عادل إمام

GMT 18:21 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلة فوز الوداد.. الرياضة ليست منتجة للفرح فقط

GMT 01:10 2016 الأحد ,10 تموز / يوليو

الألم أسفل البطن أشهر علامات التبويض

GMT 12:16 2014 الأربعاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

عروض الأفلام القصيرة والسينمائية تتهاوى على بركان الغلا

GMT 02:30 2017 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أفضل الجزر البريطانية لالتقاط صور تظهر روعة الخريف

GMT 13:57 2016 الأربعاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

"الفتاة في القطار" تتصدر قائمة نيويورك تايمز

GMT 04:56 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار مستحدثة لديكور غرف نوم بدرجات اللون الرمادي
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya