تقرير الأمين العام غير منصف ولكنه يبرر أي خيار عسكري للمغرب

تقرير الأمين العام غير منصف ولكنه يبرر أي خيار عسكري للمغرب!

المغرب اليوم -

تقرير الأمين العام غير منصف ولكنه يبرر أي خيار عسكري للمغرب

بقلم - نور الدين مفتاح

 جرت العادة أن يتم التنويه بمضمون كل تقرير للأمين العام للأمم المتحدة أو قرار لمجلس الأمن الدولي من أطراف من المفروض أنها متنازعة ولها مصالح متناقضة، وهذا كان حال قضيّة الصحراء منذ وصولها إلى المنتظم الأممي. ولم يختلف الأمر مع التقرير الجديد للسيد أنطونيو غوتيريس، ولهذا سنحاول أن ننجز تمرينا صعباً هو ادعاء قراءة موضوعية للتقرير 2018/277 المقدم لمجلس الأمن الإثنين ما قبل الماضي، والذي يأتي في ظروف بالغة الحساسية، بحيث وصلت حدة التوتر في المنطقة إلى درجات تنذر باللجوء إلى الخيار العسكري بعد 27 سنة من وقف إطلاق النار.

ولنكن صرحاء، فالتقرير لم يكن كلّه يصب في اتجاه الطرح المغربي، وهذا طبيعي بالنظر إلى أن وجود الملف الصحراوي أصلا في اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار وكذا أمام الأمم المتحدة هو غير طبيعي وأملته ملابسات خارجية وداخلية وحده التاريخ سيحكم عليها. فالأساس الذي تبنى عليه المقاربة الأممية لمعالجة الملف هو أساس قانوني وليس سياسيا، بحيث يعتبر المغرب في الصحراء ممارساً للإدارة في الإقليم في حين أن المغرب والمغاربة جميعهم مؤمنون بأنهم يمارسون السيادة على الإقليم، ولهذا نرى أن بعض الانتقادات الشكلية لبلادنا في التقرير تصبح عبارة عن سوء فهم لطبيعة النزاع الفريد في العالم، من مثل التشكي من ختم جوازات أفراد بعثة المينورسو دخولا وخروجا من الصحراء، أو حمل سيارات البعثة الأممية لترقيم مغربي.

وعموماً عشنا في هذا النزاع مع الأمم المتحدة صعودا ونزولا وآلاما، فمن كان مع الطرح الصائب تاريخيا من مثل الأمين العام الأسبق خافيير دي كويار أو المبعوث الخاص بيتر فالسوم تتم تنحيته بسهولة، ومن كان مع أطروحات لا هي بالجدية ولا بالواقعية كالتقسيم أو الفيدرالية أو ما شابه يتم تثبيته، وقد وصل الأمر في السنتين الماضيتين إلى حدود فرض استمرار مبعوث شخصي رغم قرار المغرب بسحب الثقة منه، وهو السيد كريستوفر روس، كما أن الأمين العام السابق بان كي مون وصل إلى حدود زيارة بئر لحلو الموجودة في المنطقة العازلة، كتكريس لادعاء البوليساريو أنها عاصمة مؤقتة لجمهورية صحراوية غير معترف بها أصلا من طرف الأمم المتحدة، وليزيد في العلم صرح من هناك بأن المغرب يحتل الصحراء!

وإذا كان السيد غوتيريس البرتغالي، بحكم قربه الجغرافي من المنطقة واطلاعه على الملف وهو القادم من مفوضية اللاجئين، أكثر تأهيلا من سابقه للتحلي بالتروي والحكمة، فإنه في نهاية المطاف يبقى رهينة المعطيات الموروثة من جهة والتوازنات المفروضة من جهة ثانية، ولذلك فإذا كان تقريره ليس بالسيء، فإنه لم يكن مبهرا بالنسبة لأفق إيجاد حل واقعي قابل للتحقيق.

من هذا المنطلق يمكن فهم اجترار ملاحظات مكرورة من مثل منع زوار أجانب حقوقيين وإعلاميين من دخول الصحراء، أو عدم الاعتراف بجمعيات حقوقية صحراوية أو تفريق مظاهرات، أو الإشارة إلى أنه يتعين على بعثة المينورسو الوصول إلى محاورين آخرين وتقديم تقارير مستقلة عن التطورات في الإقليم، والرد على كل هذه الدفوعات معروف ويدخلنا في شبه حلقة مفرغة. ورغم كل هذا فالمغرب لم يقل يوماً إنه يريد أن يكون خارج الشرعية الدولية، ولم يقل يوماً إنه سيتخلى عن الصحراء، وهذه الوضعية المعقدة لن يحسم فيها إلا عنصران لا ثالث لهما:  الزمن والجزائر. لقد أهدر المجتمع الدولي فرصة تاريخية لإغلاق هذا القوس منذ 2007 مع اقتراح الحكم الذاتي، وهو فعلا حل لا غالب ولا مغلوب، بحيث سيعطي المغرب التدبير كله لكل الصحراويين الوحدويين والذين حملوا السلاح والموجودين في المخيمات، وتبقى للبلاد رموز السيادة من علم وعملة وغير ذلك. ولكنها حسابات الجزائر التي تقول إنها غير معنية بالنزاع، وهي ليست في قلبه فقط ولكنها قائدته وحاضنة على أراضيها لجيش مسلح ضد المغرب ولآلاف اللاجئين، وممولة لهم وجاعلة من قضيتهم أولوية الأولويات في ديبلوماسيتها وعلاقاتها الدولية، للأسف.

وحتى وإن كان تقرير السيد أنطونيو غوتيريس قد حرر قبل التصعيد الأخير في المنطقة، فإنه يسعفنا كثيراً لفهم ما أقدم عليه المغرب، وما تعيش المملكة على إيقاعه من تعبئة شاملة. والذين اعتبروا أن الأمم المتحدة كذبت بلادنا حين قالت إنها لم تلاحظ أي خرق لاتفاق وقف إطلاق النار، فإن التقرير يجيب حين يتحدث عن أن المنطقة ظلت هادئة ولكن (ضمن حدود ما تمكنت البعثة من معاينته) كما ورد في الفقرة الثالثة. وهذه الملاحظة سنجد لها تفصيلات مثيرة في فقرات متعددة ومتباعدة، إلا أنها تقدم صورة أكثر خطورة من تلك التي تقدمها الرباط نفسها عن الوضع اليوم.

ففي توصيات الأمين العام يورد في الفقرة 81 أنه يساوره "بالغ القلق إزاء الأمن في الصحراء الغربية ولاسيما المنطقة الصحراوية الشاسعة والفارغة والواقعة شرق الجدار الرملي"، ويستنتج أن مراقبي المينورسو "عرضة لتهديدات الجماعات الإجرامية والإرهابية"، وللتفصيل أكثر تسعفنا الفقرة 45 التي تشير لتقرير للبعثة الأممية يعتبر أن "التهديد الذي يشكله الإرهاب يعتبر عاليا في شرق الجدار الرملي"، وهذه الاعتبارات الأمنية تؤثر تأثيرا كبيرا على رصد وقف إطلاق النار، يقول التقرير في الفقرة 56. وبالعودة للفقرة 33 سنجد أنه "بسبب التهديد المباشر باختطاف أفراد دوليين تم تقييد تحرك دوريات المينورسو شرق الجدار في مساحة لا يعدو قطرها 100 كلم انطلاقا من مواقع الأفرقة".

هذا وضع خطير لا أعرف لماذا لم يسلط عليه المغرب من الأضواء ما يجعله صارخاً أمام المراقبين والمتابعين، ففي الوقت الذي تتحدث فيه الرباط عن المنطقة العازلة، تتحدث البوليساريو عن المناطق المحررة، وهذا المنطق يفترض أن تكون مسؤولية الصحراء شرق الجدار الرملي حسب الجبهة ملقاة على عاتق الجمهورية المزعومة، وترتيبا على هذا يصبح ما وصفه تقرير الأمين العام للأمم المتحدة من إجرام دولي وإرهاب من مسؤولية البوليساريو. هذا من جهة، أما من جهة ثانية، فالأمم المتحدة أقرت بشكل قاطع أنها لا يمكن أن تزعم رصد كل خروقات وقف إطلاق النار، ولا مراقبة 70 ألف كلمتر مربع التي تتشكل منها المنطقة العازلة من بئر لحلو إلى الكركرات.

وبغض النظر عن هذا الإطار العام، ينصف التقرير المغرب في التفاصيل، بحيث يورد بأن "البعثة لاحظت ست مظاهرات قام بها مدنيون في المنطقة العازلة على مقربة من الجدار"، ويضيف في الفقرة 39 أنه "في إحدى المرات قام متظاهرون بإلقاء الحجارة صوب أفراد الجيش الملكي المغربي المتواجدين في الجدار الرملي".

وأما الكركرات إذا اعتبرناها تفصيلة من التفاصيل، فيمكن أن نكتفي بخصوصها بما ورد في الفقرة 80 من ملاحظات وتوصيات السيد الأمين العام الذي يقول: "يساورني القلق إزاء احتمال عودة التوتر عقب عودة جبهة البوليساريو إلى منطقة الكركرات… وإذ أنوه بتروي المغرب في ردّه… أدعو البوليساريو إلى الانسحاب من المنطقة العازلة"، ليضيف إلى دعوته شيئا أساسيا لا يختلف عما قاله ممثلو المغاربة في العيون الإثنين الماضي، وهو: الامتناع عن اتخاذ أي إجراء من شأنه أن يشكل تغييرا في الوضع الراهن في المنطقة العازلة".

كثيرة هي النقاط الأخرى في التقرير التي كان فيها تقدم ولكنه محتشم، ومنها دعوة الجزائر إلى الزيادة في مشاركتها في عملية التفاوض (الفقرة 71) بدل جعلها طرفا رئيسيا، أو الإقرار بالدور الريادي للأمم المتحدة  في حل النزاع (الفقرة 26) بدل التنصيص على دورها الحصري، إلا أن الصورة التي رسمها التقرير عن المنطقة العازلة شرق الجدار تعتبر خير دفاع عن الموقف الحازم للمغرب اليوم.

إن الموضوعية تقتضي القول إن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة لم ينصفنا مائة بالمائة، ولكن يكفينا أن التقرير ذاته يجعل أي لجوء من طرف المغرب لأي خيار، بما في ذلك الخيار العسكري، مبررا وشرعيا بمنطوق السيد أنطونيو غوتيريس نفسه، والله أعلم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تقرير الأمين العام غير منصف ولكنه يبرر أي خيار عسكري للمغرب تقرير الأمين العام غير منصف ولكنه يبرر أي خيار عسكري للمغرب



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 18:14 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

محاضرة بتعاوني جنوب حائل السبت

GMT 23:59 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مواهب صغيرة تُشارك في الموسم الثاني لـ "the Voice Kids"

GMT 18:15 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيونسيه تسحر الحضور بـ"ذيل الحصان" وفستان رائع

GMT 22:17 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

جمارك "باب مليلية" تحبط عشر عمليات لتهريب السلع

GMT 02:20 2015 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

أصغر لاجئة في "الزعتري" تجذب أنظار العالم لقسوة معيشته

GMT 01:31 2016 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مريهان حسين تنتظر عرض "السبع بنات" و"الأب الروحي"

GMT 02:54 2016 الخميس ,08 كانون الأول / ديسمبر

مي عمر سعيدة بالتمثيل أمام الزعيم عادل إمام

GMT 18:21 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلة فوز الوداد.. الرياضة ليست منتجة للفرح فقط

GMT 01:10 2016 الأحد ,10 تموز / يوليو

الألم أسفل البطن أشهر علامات التبويض

GMT 12:16 2014 الأربعاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

عروض الأفلام القصيرة والسينمائية تتهاوى على بركان الغلا

GMT 02:30 2017 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أفضل الجزر البريطانية لالتقاط صور تظهر روعة الخريف

GMT 13:57 2016 الأربعاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

"الفتاة في القطار" تتصدر قائمة نيويورك تايمز

GMT 04:56 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار مستحدثة لديكور غرف نوم بدرجات اللون الرمادي
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya