الملكية البرلمانية

الملكية البرلمانية

المغرب اليوم -

الملكية البرلمانية

بقلم - نور الدين مفتاح

تتوالى الإشارات من داخل القصر الملكي، كما تتوالى ردود فعل الكثير من النخب التي تعتقد أن الإشادة بالشيء ونقيضه هي من باب الحنكة السياسية والحكمة في التدرج. وحتى حينما يقف الملك موبخا لجزء من هذه النخبة السياسية، فإن التوبيخ يصبح محط إشادة وتنويه من طرف الذين تم توبيخهم! وهذا يزيد من التشنج القائم لا محالة بين ملكية تريد نتائج تقدم ملموسة بموارد بشرية غير مقنعة بالنسبة إليها، وبين موارد بشرية اختلط فيها الحابل بالنابل، وترهل جزء كبير من جغرافيتها، مما جعل التناقض الجدي الكفيل بتحريك عجلة التاريخ للتقدم إلى الأمام يخبو.

الملك منذ مدّة وهو يقرأ خطابات كأنها افتتاحيات نارية لجبهة معارضة، والقصر الملكي يتسرب تدريجيا إلى المجال الرمزي القوي للملكية ليعطي إشارات إرادة تغيير، من بلاغ عدم إقامة احتفالات استثنائية بمناسبة الذكرى العشرين لجلوس الملك على العرش، إلى بلاغ إنهاء الاحتفال داخل القصر الملكي بعيد الشباب، الذي أراده الملك الراحل الحسن الثاني مناسبة للاحتفاء بعيد ميلاده. ومما أضفى هذه السنة على هذه التململات طابعا خاصا، الخروج النادر للمستشار الملكي الكتوم عبد اللطيف المنوني ليتحدث عن أننا: "على طريق ملكية برلمانية (…) لكن بطبيعة الحال لا تزال ربما بعض المقتضيات (في الدستور) التي يتعين تجويدها".

إن التخفيف من البروتوكول أو تصويب اتجاه احتفالات تجنبا للتبذير والبهرجة لا يعني تغيير طبيعة النظام، وكما قال المستشار الملكي عمر عزيمان في ذات المناسبة: "لسنا في إطار نظام يشبه الملكية الإسبانية أو الهولندية حيث يسود الملك دون أن يحكم، نحن في ظل ملكية من نوع آخر، لكن سلطات الملك محددة".

وقصة الملك يسود ولا يحكم على الطريقة المغربية لها دلالتها، بحيث إن الزعيم النقابي نوبير الأموي خرج في بداية التسعينيات بشارع الفداء بطريقته المزلزلة في فاتح ماي ليتحدث عن الملك الذي يسود ولا يحكم، وهو ما كرره في حوار مع جريدة إسبانية في 1992، لتتم محاكمته الشهيرة على نعته لبعض الوزراء باللصوص (مانغانطيس)، والواقع أن المحاكمة حسب دفاعه كانت من أجل موقفه السياسي الداعي لملكية برلمانية، ويحكي بعض المقربين من الصالونات السياسية أن الوزير فوق العادة الراحل مولاي أحمد العلوي ظل يقول للحسن الثاني: "راه باغيين يعطيوك هيضورة ويسدوا عليك فالقصر!".
إنه التفسير المخزني للملكية البرلمانية التي لم يتسامح معها كمطلب الراحل الحسن الثاني.

وفي بداية العهد الجديد، كان لحوار أجراه الزميل عبد الرحيم أريري مع الأستاذ النزيه محمد الساسي وقع القنبلة، عندما تحدث بإسهاب عن الملكية البرلمانية وضرورة تجاوز بعض الطقوس كتقبيل يد الملك، لأنه نشر في جريدة "الاتحاد الاشتراكي" التي كان مدير نشرها هو عبد الرحمان اليوسفي وهو الوزير الأول في حكومة جلالة الملك الذي لم يمر على جلوسه على العرش سوى شهر واحد! لقد كان الحديث عن الملكية البرلمانية بمثابة خيانة للثقة التي لم تبن جسورها بعد آنذاك، وسارت الأمور كما نعرف في اتجاه ملكية على الطريقة الحسنية دستورياً إلى سنة 2011.

وإذا كان الكل يجمع على أن 10 مارس وما تلاها جوابا على حركة 20 فبراير قد شكلت لحظة سياسية ذكيّة جنبت المملكة مآلات دول أخرى غرقت في الفوضى، فإن الدستور الذي يعد المدخل الرئيسي لإعادة تشكيل أركان النظام غير الكثير من المعطيات، إلا أنه لم يصل إلى الملكية البرلمانية. نعم لقد أسقط الدستور القدسية عن الملك، وارتقى بالوزارة الأولى إلى رئاسة للوزراء بسلطات أوسع، وحد من بعض سلطات الملك، وارتقى بالقضاء إلى سلطة مستقلة، ولكن ظل الملك هو محور النظام السياسي، إلا أنه كما يقول الباحث محمد الطوزي جعل وضع الملك قويّاً جدا ولكن ليس بوضع المستبد.

ومن المفارقات التي نجمت عما بعد دستور 2011  المتقدم عن باقي دساتير المملكة في  تاريخها المستقل، أن الذي فاز في الانتخابات هو "العدالة والتنمية"، الحزب الإسلامي الذي يشتغل من داخل المؤسسات، والذي كان ولايزال على طرفي نقيض مع دعاة الملكية البرلمانية، بل إنه كان متمثلا على الأقل في عبد الإله ابن كيران، معارضا شرسا لحركة 20 فبراير، وكان يجاهر بذلك ومازال يفتخر بموقفه.

نفس الحزب، لم يكتف فقط بأدبياته المتبرمة من الملكية البرلمانية، بل كان ملكيا أكثر من الملك كما يقال، وقد قدم عبد الإله ابن كيران في شلالات خطبه ما يمكن أن يملأ مجلدا في تصوره للملكية التنفيذية وربما السلطانية، والدفاع عنها باستماتة على طريقته، التي كان من مغرباتها أن يتم التخلي عنه بعد تعيينه للمرة الثانية رئيسا للحكومة دون أن يصل إلى التنصيب.

وخلاصة هذه الملامح العامة لعلاقة الملكية مع النخب المولوية هي أن لا أحد استطاع أن ينجح في بناء جسر الثقة مع القصر بمن فيهم أشد المدافعين عن الملكية التنفيذية القوية، لا اليسار الحكومي ولا اليمين الوطني ولا إسلاميو المؤسسات بحمائمهم، ولا أحزاب الإدارة، التي أصبحت عالة على الدولة، تأكل ولا تنتج إلا الفضائح والهزائم، وغدا مطلب القصر اليوم هو التكنوقراط للتغلب على مخاطر تقلبات الشارع جراء الخصاص والهشاشة، وكلما زدنا مسافات في طريق الانتقال السياسي الطويل، ابتعدنا عن مطلب الملكية البرلمانية الذي أصبح كحلم، وأصحابه أو رموزهم على الأقل إما فضلوا التواري الاختياري لأسباب مفهومة، أو التقدم لاستحقاقات انتخابية لا يحصلون فيها إلا على مقعد بالكاد، كالاشتراكي الموحد.

إن السؤال الجوهري في مغرب اليوم هو سؤال مجتمعي، فكيف لا يحتل الصدارة من هم في صدارة حمل المطالب الأكثر ديموقراطية؟  ولماذا يكتسح حزب إسلامي انتخابات في بلد هو الأكثر انفتاحا في حياته اليومية والأكثر ارتباطا بالغرب نخبويا؟ وهل المشكل في المخزن الذي يعيق تسريع ترجمة الإرادة السياسية للملكية في تطوير نفسها، أم أن المخزن غادر الرباط ليستوطن مقرات المنظمات الجماهيرية وعقول النخب، لدرجة أن نقاش الملكية البرلمانية يبدو اليوم كترف فكري حتى ولو جاء على لسان مستشار ملكي في دردشة مع وكالة أنباء دولية؟

هذه أسئلة من وحي هذا الشهر الذي تتزاحم فيه احتفالات محفزة على التأمل، من عيد الجلوس إلى عيد الشباب إلى ثورة الملك والشعب، وغدا ربما يقدم المغاربة أجوبة في الواقع على استفهامات عصية اليوم على الحلحلة والفهم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الملكية البرلمانية الملكية البرلمانية



GMT 15:17 2020 الأربعاء ,12 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ١

GMT 15:15 2020 الثلاثاء ,11 شباط / فبراير

أخبار اسرائيل سيئة مثلها

GMT 18:43 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

ديكارت ومحافظ البصرة

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 01:43 2018 الأحد ,09 كانون الأول / ديسمبر

أسماء عبدالله تعلن عن تصميمها أزياء جديدة لشتاء 2019

GMT 19:48 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

وقفة احتجاجية لطلبة مدرسة الإمام ورش في بركان رفضًا

GMT 16:15 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ارتفاع حركة النقل الجوي في المغرب خلال تشرين الأول

GMT 01:57 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيفانكا ترامب تحضر أول لقاء مع رئيس الوزراء الياباني

GMT 04:52 2016 السبت ,09 إبريل / نيسان

11 "أسلوبا" لجعل حياتك الجنسية أفضل مع شريكك

GMT 02:28 2017 الأحد ,29 تشرين الأول / أكتوبر

أحدث صيحات الحقائب الرائجة خلال شتاء 2018

GMT 20:35 2015 الأربعاء ,16 أيلول / سبتمبر

ما لم تعرفه عن فوائد الكافيار الطبية

GMT 14:21 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

مغربي يقتل حدادًا بطلق ناري بواسطة بندقية صيد

GMT 07:37 2015 السبت ,17 كانون الثاني / يناير

تشاد ترسل قوات إلى الكاميرون لمحاربة "بوكو حرام"

GMT 07:20 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة بسمة ضيفة منى الشاذلي في برنامج "معكم" الخميس

GMT 03:32 2017 الجمعة ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة توضح دور الخوف في عملية انقراض الحيوانات

GMT 06:16 2016 الثلاثاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

نادي النصر يعلن أن إبراهيم غالب يبدي جاهزيته البدنية
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya