تحايا لأناس عاديين

تحايا لأناس عاديين

المغرب اليوم -

تحايا لأناس عاديين

بقلم : رشيد نيني

أحيانا يراودنا شعور بإلقاء تحية الصباح على أول شخص نلتقي به، هكذا ولمجرد كسر الجليد والذهاب نحو الآخر بدون أحكام مسبقة وبدون مصلحة معينة.

فقط تحية صباحية لتذكير الآخرين بأنهم موجودون بيننا ولديهم حضور، وأننا نفكر فيهم رغم أننا لا نشترك معهم أية علاقة أخرى غير باب مقابل لبابنا في العمارة، أو نظرة عابرة في حافلة عمومية، أو زحاما في صف أمام مستشفى.

تحية إذن للسجين الذي سيغادر زنزانته هذا الصباح دون أن يجد أحدا بانتظاره أمام الباب.

للأم التي تحمل طفلها المحموم فوق ظهرها وتقف حائرة أمام باب المستشفى الحكومي بانتظار دورها للدخول، دون أن تدري أن اليوم يوم إضراب عن العمل.

تحية للبنت المرتبكة التي يوشوش لها مستخدمها في مصنع النسيج كلاما وقحا في أذنها فيما هي تتحمل وتشتغل خافضة رأسها وتفكر في دواء والدها المريض بالربو.

تحية للعسكري القابع في الخط الأمامي للوطن والذي لم ير أبناءه أشهرا طويلة، والذي عندما يشتاق إليهم يخرج صورهم من جيبه ويقبلهم واحدا واحدا ثم يعتدل في وقفته تحت الشمس حتى لا يمر رئيسه ويضبطه متلبسا بتهمة الحنين.

تحية للموظف البسيط الذي ينتظر الساعة السادسة لكي يذهب إلى باره المفضل لكي يغرق بقية يومه في الشرب، وحيث يحكي قصة حياته للمرة الألف للبارميطة السمينة التي تبتسم طيلة الوقت من فرط التعاسة.

تحية للحارس الواقف ليلا أمام أبواب الشركات الرأسمالية المتوحشة، لسيجارته الرخيصة التي تتدلى من شفتيه، ولكأس الشاي البارد الذي يقاوم به وحشة الليل وقسوة الطقس.

تحية للعاهرة التي يحكي لها زبونها ثقيل الدم نكتة سخيفة في مطعم تافه، فتضحك بتصنع إلى أن تسعل وتغرورق عيناها بالدموع، فتتوقف فجأة وهي لا تدري هل الدموع التي في عينيها بسبب الضحك أم بسبب التعاسة.

تحية للخادمة الشقية التي تشاهد بطلتها المفضلة في مسلسل «سامحيني» وتبكي بحرقة بسبب ما يحدث لها، ما يحدث للبطلة في المسلسل طبعا وليس للخادمة في بيت سيدتها.

تحية لسائق الشاحنة المسافر نحو مدينة بعيدة في الجنوب، لظهره المبلل بالعرق ولنظرته الضائعة في الغروب، لصوت المذياع الذي يصاحبه ولامرأة وحيدة تركها خلفه يفكر فيها طيلة الطريق.

تحية للقاضي الذي يبدأ نهاره بتطليق زوجين.

تحية للطبيب الجراح الذي يفعل كل ما بوسعه لينقذ طفلا مريضا فيفشل في إعادته إلى الحياة، ويعود منكسر الخاطر إلى البيت في المساء، يحتضن أطفاله بين ذراعيه ويفكر في أم الطفل الذي مات أمامه هذا الصباح، ماذا تراها ستحضن بين ذراعيها بعد اليوم.

تحية للممرضة التي يرتعش قلبها عندما تصلها رسالة غزل من خطيبها على هاتفها النقال، وفي الوقت نفسه تصلها آهات امرأة ترقد في جناح القلب.

تحية لشرطية المرور الغاضبة من وقفتها تحت أشعة الشمس التي تفسد بشرة وجهها، ومن بعض الرجال الذين يفسدون مزاجها ولا يعيرون اهتماما لصفارتها.

تحية للجنرال العجوز المشغول طيلة الوقت بمراجعة حسابه البنكي، حيث العائدات الشهرية لأساطيله، لضغطه العالي وسرطان البروسطات الذي يزحف نحوه مثل عنكبوت عجوز، للياليه الفارغة من الدفء وقلبه المهجور الذي لم يعد يطرق بابه أحد.
تحية للثري الذي يقضي حياته خائفا من الفقر، وللفقير الذي يقضي حياته حالما بالثروة.

تحية للرجال والنساء المسنين الذين تخلى عنهم أبناؤهم في دور العجزة، لجلستهم الطويلة تحت الشمس فوق مقاعد إسمنتية، لنظراتهم الضائعة عندما يسمعون أن أحدهم لم ينزل هذا الصباح للحديقة لأن سيارة نقل الموتى أخذته إلى مقبرة الضاحية.

تحية للصياد الوحيد الذي يدخن لفافة تبغه أمام البحر ممسكا قصبته التي تحركها ريح المساء، منتظرا أن تبتلع طعمه سمكة في المحيط قبل أن يحل الظلام، لخطواته المتعبة وهو يعود إلى البيت من دون صيد، سعيدا مع ذلك بنفسه لأنه أعاد سمكة صغيرة إلى البحر.

تحية للمرأة رقيقة الصوت التي تعتذر نيابة عنا في الهاتف عندما لا نكون متوفرين، للعلبة الصوتية التي تسكن داخلها، مرتاحة الصوت رغم الضيق.

تحية للمؤذن الذي يصعد صومعته ساعة الفجر لكي يوقظ النائمين للصلاة، لصوته الرخيم الذي يدغدغ المسامع، ولخجلنا الشديد من أنفسنا عندما يصل إلى آخر الأذان ويقول «الصلاة خير من النوم»، فيما نحن غارقون في النوم.

تحية للمعلمة الشابة التي تتسلق الجبل لكي تصل مدرستها التي عينتها فيها الوزارة، لجلستها الحزينة في الفصل بعد ذهاب التلاميذ إلى بيوتهم، للأرقام العشوائية التي تركبها على هاتفها وتتصل بها ثم تقطع، لعل وعسى يتشجع أحد ويكلمها فتشعر أخيرا بأنها موجودة في هذا العالم.

تحية للواقفين في الصفوف الطويلة لطالبي التأشيرة نحو الغربة في المدن الحزينة، لقلقهم الصباحي وهم ينتظرون جوازاتهم، لحقائب سفرهم التي جمعوها منذ سنوات طويلة، لأملهم في وطنهم الذي خاب.

تحية للجالسين في قاعات الاستقبال في انتظار نتائج تحاليلهم، للقادمين من القرى البعيدة إلى العيادات بدون إفطار من أجل الفحص، للداخلين هذا الصباح إلى جناح الجراحة.

تحية للذين يستعدون هذا الصباح لركوب قارب باتجاه الضفة الأخرى للحياة، للذين تطفو جثثهم الآن فوق مياه المضيق، للذين وصلوا فقط لكي يدفنوا في مقابر الغرباء.

تحية لساعي البريد الذي يترك لنا الرسائل تحت الباب دون أن نراه، لرجل النظافة الذي يمر في الفجر بصمت لكي يفرغ سطل القمامة.

تحية لفصل الربيع الذي يزورنا هذه الأيام، لكل الورود التي ستنفتح فوق الروابي، لكل الأعشاب البرية التي ستنمو فوق قبور الأحبة الراحلين.

تحية للوطن الجريح، لأبنائه الذين ينامون على رصيفه، لأبنائه البعيدين الذين يبعثون إليه بمصروف الجيب كل شهر، لأبنائه اليائسين الذين يحرقون كبده بين وقت وآخر.

تحية إليهم كلهم، وإلى كل الآخرين أيضا…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تحايا لأناس عاديين تحايا لأناس عاديين



GMT 05:05 2017 الثلاثاء ,06 حزيران / يونيو

حتى أنت يا مصيطيفة

GMT 05:06 2017 السبت ,03 حزيران / يونيو

الدرهم العائم

GMT 06:18 2017 الخميس ,01 حزيران / يونيو

يتيم في العيد

GMT 06:30 2017 الثلاثاء ,30 أيار / مايو

عادات سيئة

GMT 05:40 2017 السبت ,27 أيار / مايو

ولاد لفشوش

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 18:14 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

محاضرة بتعاوني جنوب حائل السبت

GMT 23:59 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مواهب صغيرة تُشارك في الموسم الثاني لـ "the Voice Kids"

GMT 18:15 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيونسيه تسحر الحضور بـ"ذيل الحصان" وفستان رائع

GMT 22:17 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

جمارك "باب مليلية" تحبط عشر عمليات لتهريب السلع

GMT 02:20 2015 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

أصغر لاجئة في "الزعتري" تجذب أنظار العالم لقسوة معيشته

GMT 01:31 2016 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مريهان حسين تنتظر عرض "السبع بنات" و"الأب الروحي"

GMT 02:54 2016 الخميس ,08 كانون الأول / ديسمبر

مي عمر سعيدة بالتمثيل أمام الزعيم عادل إمام

GMT 18:21 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلة فوز الوداد.. الرياضة ليست منتجة للفرح فقط

GMT 01:10 2016 الأحد ,10 تموز / يوليو

الألم أسفل البطن أشهر علامات التبويض

GMT 12:16 2014 الأربعاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

عروض الأفلام القصيرة والسينمائية تتهاوى على بركان الغلا

GMT 02:30 2017 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أفضل الجزر البريطانية لالتقاط صور تظهر روعة الخريف

GMT 13:57 2016 الأربعاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

"الفتاة في القطار" تتصدر قائمة نيويورك تايمز

GMT 04:56 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار مستحدثة لديكور غرف نوم بدرجات اللون الرمادي
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya