ما يعتّم القلب ما يكهرِب البدن

ما يعتّم القلب ما يكهرِب البدن...

المغرب اليوم -

ما يعتّم القلب ما يكهرِب البدن

بقلم : راجح الخوري

المعركة السياسية حول تشكيل الحكومة اللبنانية إلى احتدام أعنف، في ظل محاولات التضييق أكثر فأكثر على الرئيس المكلف سعد الحريري، الذي يصر على حكومة وحدة وطنية جامعة، تساعد في تحريك الوضع الجامد، وتكون قادرة على الاستجابة لأمرين؛ أولا الشروط التي تطلبها الدول المانحة من لبنان وهو ما سمعه في مؤتمر «سيدر»، وثانياً الانخراط الجاد والفعلي في معركة كبيرة لمحاربة الإهدار الذي ينخر عافية لبنان ويعمّق من ثقافة الفساد المتغولة!

ولكن بعد العودة إلى الحديث عن تشكيل حكومة أكثرية، وهو ما لمح إليه الرئيس ميشال عون، وبعد التمسك بالحصول على حصص حكومية تبدو مجحفة حتى إلغائية، ومن شأنها إعطاء التحالف بين الثنائي الشيعي و«التيار الوطني الحر» أكثرية الثلثين المقررين في كل شيء، تبدو الأمور وكأنها دخلت فعلاً في نفق طويل ومظلم!
يأتي كل هذا بعد مرور ما يقرب من عامين على العهد، رغم أنه سبق لعون أن قال إن عهده سيبدأ مع تشكيل الحكومة الجديدة، وها هي الحكومة عالقة في شروط عرقوبية ليست بعيدة عن موقفه، وصلت تكراراً إلى درجة التلويح في أوساط «حزب الله» وحلفاء سوريا العائدين على أكتافه في الانتخابات النيابية، بالسعي إلى انتزاع التكليف من الحريري، وهذا بمثابة إثارة للفتنة لأن الدستور واضح، فهو لم يحدد مهلة للتشكيل، ونص صراحة على أن الرئيس المكلّف هو الذي يشكل الحكومة ويطلع رئيس الجمهورية عليها… ونقطة على السطر كما يقال!
في انتظار الخروج من هذا النفق المظلم، دعونا نتحدث عما هو أكثر ظلمة وحلكة، ليس فقط في قصة «البواخر العثمانية» التي تكهرب البدن أكثر مما تنير المدن، بل في مسائل الفساد والإهدار والفلتان التي ويا لمرارة السخرية، يتفق كل المسؤولين والسياسيين شكلاً وقولاً على ضرورة محاربتها، ولكنها واقعاً إلى مزيد من التفاقم المتوحش!
في الأسبوع الماضي كان اللبنانيون بقصة «فقّاسة الصيصان» التي اكتشفت في شركة الكهرباء وصارت الأكثر تداولاً وسخرية على وسائل الاتصال الاجتماعي، وهذا الأسبوع جاءت قصة سكك الحديد التي لا تُصدّق، عندما نشرت الجريدة الرسمية إعلاناً جاء فيه حرفياً: «مناقصة عمومية لتقديم محروقات سائلة ديزل أويل أخضر لزوم مصلحة سكك الحديد والنقل المشترك، وذلك في تمام الساعة العاشرة من يوم الثلاثاء الواقع في 28 - 8 - 2018… على الراغبين بالاشتراك في المناقصة العمومية الحصول على نسخة من دفتر الشروط في قسم اللوازم مقابل مبلغ 150000 ل ل… إلخ».
هكذا بالحرف، ولكن أيها الذكي، ليس في لبنان سكك حديد منذ 40 عاماً، وخطوط هذه السكك التي كانت في الماضي تربط صور في الجنوب بطرابلس في الشمال، فإما طُمرت بالتراب وإما صارت تحت الطرق الإسفلتية، وإما سُرقت وبيعت خردة أيام الوصاية السورية!
ولكن ليس في الدولة اللبنانية من يقرأ نص هذا الإعلان الفضيحة، وخصوصاً بعدما أثيرت ضجة كبرى على زيادة رواتب مدير وموظفي مصلحة السكك الحديد، يوم قامت القيامة حول سلسلة الرتب والرواتب التي تكاد تُفلس الدولة، وكما هناك مصلحة لسكك غير موجودة، هناك مثلاً مكتب للشمندر السكري، رغم أن معمل السكر مقفل من قديم الزمان، وهناك مكتب للقمح وليس من قمح... «تأكلين يا سيدتي الدولة الغافية» وبالأحرى الفاسدة!
أعود تكراراً إلى قصة أنجيلا ميركل، التي عندما زارت لبنان قبل أسبوعين، وضعت أمام المسؤولين عرضاً من شركة «سيمنز»، وقال أحد كبار مرافقيها إن ألمانيا مستعدة لأن تقدّم حسماً من أجل إنعاش لبنان، ومقابل 800 مليون دولار فقط ستؤمن الإنارة بالكامل «24 على 24» لـ7 ملايين شخص، وهذا الكلام مسجّل في محضر رسمي لدى أحد كبار مراجع الدولة، كما أن ميركل أبلغت المسؤولين أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قال لها إن فرنسا وإيطاليا مستعدتان لتزويد لبنان بكل حاجته من الطاقة بأسعار رخيصة جداً!
لكن ليس في أوساط الدولة اللبنانية سوى الصمت وتجاهل كل ما قيل في هذا الشأن، ربما بسبب الخلاف المستجد في الأيام القليلة الماضية بسبب الباخرة العثمانية الثالثة، التي قيل إنها ستزود لبنان بقسم من الطاقة مجاناً لـ3 أشهر ثم تغادر، في حين تتوقع أوساط في وزارة المالية أنها ستبقى مدفوعة الأجر مثل سابقتيها، وهو ما كلّف لبنان ما يقرب من 7 مليارات دولار كان يمكن أن تنشئ معامل تحل هذه المشكلة.
ما لا يصدق أن الباخرة الثالثة كهربت الأجواء والعلاقات قبل أن تنير المنازل، فبعدما قيل إنها سترسو في الجية، نقلت إلى الزهراني في الجنوب، وقيل إنها ستخفف من ساعات التقنين وتحسن التغذية بالتيار، فاعترضت عليها حركة «أمل» لأسباب قيل إنها تتعلق «بالحفاظ على البيئة» وبضرورة إنشاء معمل جديد، بينما قال مناصرو «حزب الله» إن أصحاب المولدات الخاصة الذين سيتضررون من الباخرة ضغطوا لإبعادها... وهكذا كان!
وتهادت الباخرة من الزهراني مروراً بالجية وصولاً إلى منطقة ذوق مصبح، حيث قيل إنها ستؤمن الكهرباء لمنطقة كسروان وجبيل وقسم من المتن 23 إلى 24 ساعة في اليوم، وهنا قامت القيامة في أماكن أخرى، عندما قال أصحاب المولدات الخاصة في تلك المناطق إنهم يطالبون الدولة بـ«عطل وضرر»، بسبب الباخرة التي «ستقطع رزقهم»، وجاء هذا كمشكلة إضافية، بعد رفضهم قرار وزارة الاقتصاد تركيب عدادات تضبط فواتيرهم، ورفضهم التعريفة التي تقررها وزارة الطاقة ثمناً للكيلوواط.
مسخرة المساخر أن يضطر 3 وزراء، الطاقة والاقتصاد والداخلية؛ إلى اجتماع لحلّ مشكلة «مافيا المولدات الخاصة» الذين يهددون بإغراق لبنان في العتمة، في وقت كانت وكالة «بلومبيرغ» تقول إن هذه المافيا التي تؤمن نصف حاجة لبنان من الطاقة، باتت تتحكم بسوق تتراوح قيمتها من مليار ونصف المليار إلى ملياري دولار، وإنها تقف في وجه كل من يحاول إحداث إصلاحات في قطاع الكهرباء.
وتقول «بلومبيرغ» إن مافيا المولدات تملك نفوذاً على البلديات وتربطها علاقات بسياسيين نافذين وبزعماء في السلطة، وإنها تدفع عمولات لتحول دون حل مشكلة الكهرباء، ما يدفع البعض الآن إلى التساؤل، لماذا لم يأخذ عرض ميركل طريقه الفوري إلى التنفيذ، وخصوصاً أن كل ذلك جاء في وقت نقلت الوكالات خبر افتتاح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي 3 محطات عملاقة لتوليد الكهرباء نفذتها شركة «سيمنز»، وبلغت كلفتها 6 مليارات يورو وتؤمن 14400 ميغاواط، أي 8 أضعاف ما يحتاجه لبنان، الذي أنفق حتى الآن ما يقرب من 35 مليار دولار، أي ثلث دينه العام على هذا القطاع، الغارق في عتمة العقول وظلام المسؤول والمسؤولية، في حين يقول وزير المال إن البواخر العثمانية كلفتنا المبلغ إياه الذي عوّم مصر بالكهرباء!
زيادة في تعتيم القلب قد يكون من المناسب أن نتذكّر، أن الإهدار المقصود والفساد المتوحش مثلاً، هما اللذان فرضا في موازنة 2017 رصد مبلغ 113 ملياراً و820 مليون ليرة سنويا، كلفة إيجارات لمباني الدولة، تتراكم عاماً بعد عام، وكان يمكن أن تعمّر بيروت ثانية، ولنتصوّر فقط أن مبنى الأسكوا تستأجره الدولة منذ أعوام بمبلغ 10 ملايين دولار سنوياً، وكان في وسعها أن تشتري بالمبلغ أحد أبراج مانهاتن!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما يعتّم القلب ما يكهرِب البدن ما يعتّم القلب ما يكهرِب البدن



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 18:14 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

محاضرة بتعاوني جنوب حائل السبت

GMT 23:59 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مواهب صغيرة تُشارك في الموسم الثاني لـ "the Voice Kids"

GMT 18:15 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيونسيه تسحر الحضور بـ"ذيل الحصان" وفستان رائع

GMT 22:17 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

جمارك "باب مليلية" تحبط عشر عمليات لتهريب السلع

GMT 02:20 2015 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

أصغر لاجئة في "الزعتري" تجذب أنظار العالم لقسوة معيشته

GMT 01:31 2016 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مريهان حسين تنتظر عرض "السبع بنات" و"الأب الروحي"

GMT 02:54 2016 الخميس ,08 كانون الأول / ديسمبر

مي عمر سعيدة بالتمثيل أمام الزعيم عادل إمام

GMT 18:21 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلة فوز الوداد.. الرياضة ليست منتجة للفرح فقط

GMT 01:10 2016 الأحد ,10 تموز / يوليو

الألم أسفل البطن أشهر علامات التبويض

GMT 12:16 2014 الأربعاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

عروض الأفلام القصيرة والسينمائية تتهاوى على بركان الغلا

GMT 02:30 2017 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أفضل الجزر البريطانية لالتقاط صور تظهر روعة الخريف

GMT 13:57 2016 الأربعاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

"الفتاة في القطار" تتصدر قائمة نيويورك تايمز

GMT 04:56 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار مستحدثة لديكور غرف نوم بدرجات اللون الرمادي
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya