لماذا «يخشى» السياسيّون الخبراء الإقتصاديين

لماذا «يخشى» السياسيّون الخبراء الإقتصاديين؟

المغرب اليوم -

لماذا «يخشى» السياسيّون الخبراء الإقتصاديين

بقلم : جورج شاهين

لا بدّ لمتصفّحي محضر اللقاء الذي جمع رؤساء الكتل النيابية في ضيافة رئيس الجمهورية في قصر بعبدا من التوقف امام مفارقات كبيرة، لعلّ أبرزها البَون الشاسع بين ما عبّرعنه الإختصاصيون في عالم المال وبين أهل السياسة، فلكل نظرته. فما أحدثته المطالعات الإقتصادية في اللقاء لم يترك الأثر البالغ المطلوب لتأمين أجواء الإستثمار وجذب الرساميل، ليتغيّر شيء ممّا هو مطروح. لماذا؟ وكيف؟

من الطبيعي جداً أن يتطلّع السياسيون الى ما هو مطلوب من خطوات لمعالجة المصاعب الإقتصادية والمالية التي يواجهها لبنان بنظرة مخالفة للخبراء الإقتصاديين والماليين. فلكل منهم دوافعُه وخلفياته. إنّ النظرة العلمية للشؤون الإقتصادية والمالية والنقدية التي يتقنها الخبراء لا تراعي بعض الهواجس التي تتملّك السياسيين.

لذلك يتهم السياسيون الخبراء بالتجرّد من العواطف الإنسانية والمصالح السياسية الحيوية وصولاً الى تجاهلهم معاناة الشعب وقدرته على التحمّل متى وصلت الأمور الى محطات دقيقة ومفصلية.

على قاعدة أنّ المعادلات المحكي عنها في الكتب والنظريات الإقتصادية لا تتساوى وحساب البيادر الشعبية، فقواعد الخبراء ونظرياتهم ناشفة وقاسية متى ابتعدت عن المزاج الشعبي والسياسي، عدا عن عدم القدرة على تطبيق البعض منها في بلد متنوّع تختلف فيه المستويات العلمية والقدرات المالية والإقتصادية في القطاعات المختلفة.

وفي المقابل لا يرى الخبراء أيَّ حرَج في اتّهام السياسيين بقدرتهم على تسيير امور الناس بعيداً عن مصالح الأكثرية الشعبية التي لا تنتمي الى هذا الطرف او ذاك في ظل التجاذبات التي تتحكّم بمواقفهم. ويزيدون صراحتهم بالإشارة الى انّ تمسّك السياسيين باللامركزية الإدارية عند ادارة شؤون البلاد له ما يبرّره. فهي وسيلة ناجحة تجعل عموم الناس والجماهير اكثر حاجة اليهم في الكثير من الخدمات التي لا تدار إلّا من فوق بعيداً عن كل أشكال اللامركزية، خصوصاً عندما تتحوّل بعض المؤسسات في لبنان الى محميات طائفية ومذهبية وسياسية وحزبية تدار بغير القواعد العلمية فلا يتساوى الناس امامها لا في الحقوق ولا في الواجبات.

وبعيداً من هذا المنطق الذي لا يتّسع له المقال، فإنّ العودة الى بعض المقترحات التي تمّ تداولها في اوساط الخبراء على خلفية ما هو مطلوب من لبنان، وما رسمته مؤتمرات الدعم للبنان من مسلسل مؤتمرات «باريس» الى «سيدر» ومؤتمرات «روما» و«بروكسيل»، وغيرها من تلك التي نظمتها الدول والمؤسسات المانحة، ركزت منذ اقل من عقدين من الزمن بقليل على جملة اقتراحات ومسارات اقتصادية ومالية وسياسية وربما امنية لم ينفّذها لبنان. فالعديد من التعهّدات التي قطعها المسؤولون اللبنانيون في العقدين الأخيرين سقطت جراء الخلل المتنقل في موازين القوى الداخلية فتبخرت خطوات، وتراجعت الحكومات المتتالية عن آليات كان من الواجب اتمامها في أوانها.

على هذه الخلفيات بقي الخلاف قائماً في خطوطه العريضة بين لبنان والمجتمع الدولي المتضامن مع العديد من الخبراء الذين بقوا خارج دائرة التموضع السياسي ولم يتجنّدوا لخدمة هذا المشروع السياسي أو ذاك حول بعض العناوين الكبرى.

إنّ التوافق على الشراكة بين القطاعين العام والخاص بقي مجتزأً في لبنان ولم تدخل الحكومة مرحلة تطبيق القوانين التي أُقرَّت. فبقي الفساد قائماً في معظم المؤسسات الحكومية، وبقيت القطاعات الخدماتية في لبنان دون المستوى المطلوب تدار بغير ما تقرّر أن تكون عليه من شفافية ومحاسبة. فقطاعات الكهرباء والنفايات والنقل والمياه والبنى التحتية اجمالاً استهلكت مليارات الدولارات دون حلّ نهائي وجذري يستقيم معه الأداء المطلوب.

وكل ذلك جرى دون بلوغ مرحلة الحوكمة الرشيدة في ظل فقدان المخارج للكثير من الخلافات التي تحكّمت بمصير العديد من المشاريع التي وقع الخلاف بشأنها بين الوزارات والمؤسسات المختصة ومنفّذيها، والدليل الساطع يظهر في مصير الكثير من المشاريع الحيوية التي لم تكتمل بسبب خلافات حول الفوارق في كلفتها الفعلية وما جرى تحديده من مبالغ، فانتقلت الخلافات بشأنها الى مؤسسات التحكيم الدولية.

ولعلّ أبرزها وأكثرها وضوحاً الدعاوى التي رُفعت بشأن معمل دير عمار لإنتاج الطاقة وكسارات فتوش والمحطات المخصّصة لتنقية مياه المجاري وغيرها من مشاريع البنى التحتية التي لم تكتمل بعد، فبقية منشآت شاغرة لا تعمل ولا تقدم خدماتها الملحّة. والى ذلك بقي القضاء مرتعاً للتدخلات السياسية على كل المستويات ووضعت مؤسسات كبرى في دائرة الخطوط الحمر فلم يدخلها الإصلاح ولو من ابوابه الضيقة وبقي الهدر والتهرّب الضريبي مثالاً يحتذى عند الحديث عن دول العالم الثالث.

وبناءً على ما تقدّم يبدو الخلاف كبيراً بين الرؤى التي عبّر عنها الخبراء من جهة، وبين السياسيين، من جهة أخرى. فالذين تحكّموا بالمقررات التي انتهى اليها اللقاء الإقتصادي في بعبدا – ورغم مقاربتهم بعض الخطوات المطلوبة بإلحاح – هناك مَن يرى أنهم أغفلوا المال الغميق في كواليس الهدر والفساد والتهريب، فقرروا السعي الى إعادة هندسة الضرائب المباشرة التي تعود بنتائجها السلبية المباشرة على قطاعات واسعة من اللبنانيين كالموظفين والمتعاقدين والمتقاعدين والمؤسسات المالية وفوائد حسابات المصارف والزيادة المقترحة على القيمة المضافة.

علماً أنّ بعض هذه الضرائب والرسوم مشكوك في تحصيلها كاملة، عدا عن انّ ما يمكن أن تأتي به لا يقاس بحجم ما هو ضائع من التهرب الضريبي وعدم ضبط مداخيل العديد من المؤسسات الكبرى كالشركات المرتبطة بالخدمات الخلوية التي تجني مئات الملايين من الدولارات دون حسيب ولا رقيب.

ولم تدخل المعالجات الى مرفأ بيروت الذي يدار بلجنة موقتة منذ عقدين من الزمن بحكم الأمر الواقع. ولم ينظر احد في ضرورة الإصلاح وإعادة النظر في مشاريع مجلس الإنماء والإعمار والمجالس المتخصّصة، في ما السعي قائم لإستنساخ تجربة مجلس الجنوب في البقاع وعكار لتحويلها مؤسسات تضيع فيها المليارات المصروفة على قياس المحسوبيات.

قد لا تكون الصورة سوداوية الى هذه الدرجة إن توقف المراقبون أمام ما تقرّر من خطوات لا تخرج عن الإطار المطلوب دولياً وهو ما دفع بالموفد الفرنسي المكلف بإدارة ملف «سيدر» فيليب دوكان الى التعبير عن ارتياحه لما قد تقرّر، وإن شكل خطوة على الطريق الطويل. فهو يراهن على وجود نيّة بالإقدام على بعض الخطوات التي تستجرّ أول مليارات «سيدر».

ورغم نصيحته، مستذكراً المثل الفرنسي القائل «أعينوا أنفسكم يعينكم الله». فإنه لم يُخفِ حذره من المستقبل القريب. فهو سيراقب وسيكلف من يعاونه بالمهمة الى أن يظهر الخيط الأبيض من الأسود فالعيون مفتوحة على لبنان واللبنانيين، فهل يكونون على قدر المسؤولية؟ 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا «يخشى» السياسيّون الخبراء الإقتصاديين لماذا «يخشى» السياسيّون الخبراء الإقتصاديين



GMT 15:02 2020 الأحد ,09 شباط / فبراير

أنصار اسرائيل في اميركا يهاجمون المسلمين

GMT 16:11 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

من يفوز بالرئاسة الاميركية هذه المرة

GMT 17:21 2020 الجمعة ,07 شباط / فبراير

ايران وحادث الطائرة الاوكرانية

GMT 14:46 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

من دونالد ترامب الى اسرائيل

GMT 17:46 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ٢

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 18:14 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

محاضرة بتعاوني جنوب حائل السبت

GMT 23:59 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مواهب صغيرة تُشارك في الموسم الثاني لـ "the Voice Kids"

GMT 18:15 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيونسيه تسحر الحضور بـ"ذيل الحصان" وفستان رائع

GMT 22:17 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

جمارك "باب مليلية" تحبط عشر عمليات لتهريب السلع

GMT 02:20 2015 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

أصغر لاجئة في "الزعتري" تجذب أنظار العالم لقسوة معيشته

GMT 01:31 2016 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مريهان حسين تنتظر عرض "السبع بنات" و"الأب الروحي"

GMT 02:54 2016 الخميس ,08 كانون الأول / ديسمبر

مي عمر سعيدة بالتمثيل أمام الزعيم عادل إمام

GMT 18:21 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلة فوز الوداد.. الرياضة ليست منتجة للفرح فقط

GMT 01:10 2016 الأحد ,10 تموز / يوليو

الألم أسفل البطن أشهر علامات التبويض

GMT 12:16 2014 الأربعاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

عروض الأفلام القصيرة والسينمائية تتهاوى على بركان الغلا

GMT 02:30 2017 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أفضل الجزر البريطانية لالتقاط صور تظهر روعة الخريف

GMT 13:57 2016 الأربعاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

"الفتاة في القطار" تتصدر قائمة نيويورك تايمز

GMT 04:56 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار مستحدثة لديكور غرف نوم بدرجات اللون الرمادي
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya