وداعاً لليسار الإسرائيلي القديم

وداعاً لليسار الإسرائيلي القديم

المغرب اليوم -

وداعاً لليسار الإسرائيلي القديم

حازم صاغية
بقلم: حازم صاغية

من يتخيَّل إسرائيل بلا يسار؟ حزب العمل (ماباي يومذاك) هو الذي أنشأها. لثلاثة عقود ظلَّ يحكمُها وحده. أبرز رموز الدولة جاءوا من بيئة اليسار العمَّالي: بن غوريون، غولدا مائير، رابين، آلون، دايان، بيريز...
اليوم، هذا كلّه تاريخ. في الانتخابات الأخيرة، نال كلٌّ من حزبي اليسار، (العمل) و(ميريتز)، 3 مقاعد. هذا التحالف نفسه نشأ لتجنّب الفضيحة: ألا يتجاوز الحزبان حاجز الـ3، 25 في المائة من الأصوات الذي هو شرط التمثيل النيابيّ.
أين المشكلة؟
هناك، أوّلاً، أزمة تكيّف قاتلة: «العمل»، وقبله «ماباي»، قومي أكثر منه اشتراكيّاً، همّه إقامة الدولة. لم يدافع عن الحدّ الأدنى من زعمه الاشتراكيّ، أي المساواة بين اليهود والعرب. حقوق الإنسان وحقوق المواطنين لم تكن على أجندته. ثمّ إنّه مَن بدأ الاستيطان بعد 67. عدم تحوّله من يسار قومي ذي ميراث استعماري إلى يسار مدني ترافق مع ضمور عالمه العمّالي القديم في صفوف «الأشكناز». بيئة «الكيبوتز»، قاعدته التقليديّة، صغرت، ومؤسّسة «الهستدروت» ومجالسها العمّاليّة تقلّصت. قائد الحزب الحاليّ، عمير بيريتز، النقابي ومغربي الأصل، فشل مراراً في رهانه على كسب «الفقراء» و«الشرقيّين» في ضواحي المدن. أغلبهم صوّتوا لـ«الليكود».
الحزب بات يبدو قديماً جدّاً، تعصف به الوجهة «العالميّة» في الانزياح يميناً، التي رأيناها في عدد من بلدان أوروبا. هذا الانزياح وجد تعزيزه في التحوّل الديموغرافيّ. السكّان أصبحوا أكثر تقليدية، وبين الأسباب تزايد الاختلاط بين «المزراحيم السفرديّين» و«الأشكناز». اليسار العلماني «الأشكنازي» صار يبدو للكثيرين استفزازيّاً في علمانيّته. يصحّ هذا خصوصاً في «ميريتز» الذي تأسّس عام 1992 بأفكار تفوق أفكار العمل تقدّماً، حيال العرب وبالنسبة للحقوق والحرّيّات. لكنّ «ميريتز» ظلّ بالغ النخبويّة لشبّان تلّ أبيب. لم يغد حزباً يساريّاً ليبراليّاً على نطاق وطنيّ.
القاتل الثاني لليسار نتنياهو. من جهة، حملته المكارثيّة والمنهجيّة لربط اليساريّة بخيانة الوطن. حتّى ليبرمان، وزير دفاعه السابق وخصمه اللاحق، طالته «تهمة» اليساريّة. الآن بات منافسه بيني غانتس يساريّاً يتعاون مع الإرهابيّين!
الأهمّ، أنّ سياسة نتنياهو وشخصه صبغا السياسة عموماً بالشعبويّة. لم تعد أولويّة خصومه اختيار برنامج بديل بل التصويت لمن يستطيع إطاحته. هكذا صوّت يساريّون متزايدو العدد لأحزاب «الوسط» التي تراءى أنّها الأقدر على إسقاطه.
قبلاً، صوّت يساريّون لـ«كاديما» الذي أنشأه شارون وأولمرت، وعاش من 2005 إلى 2015، كما صوّتوا لـ«هناك مستقبل» (يش أتيد) كحزب «وسطيّ» يطمح إلى تمثيل الطبقة الوسطى العلمانيّة. وفي 2009 صوّتوا، للاعتبارات نفسها، لوزيرة الخارجيّة السابقة تسيبي ليفني، فلم ينل «العمل»، بقيادة إيهود باراك، سوى 13 مقعداً و«ميريتز» 3. يتكرّر الشيء نفسه الآن مع «أزرق أبيض» الذي غزا الطبقة الوسطى في معظم البيئات العمالية تقليدياً.
القاتل الثالث هو موضوع الاحتلال والتسوية، واستطراداً علاقة إسرائيل بمواطنيها العرب. صحيح أنّ اغتيال رابين في 1995 لم يحل دون انتخاب باراك، في 1999، مستفيداً من تصويت عربي كثيف له. لكنّ فشل «كامب ديفيد» في 2000، وتعاظم الكراهية المتبادلة، أطاحت مشروع «أوسلو». عنف الانتفاضة الثانية والعنف الأكبر الذي ردّ به باراك، أوهنا الصلة بين «العمل» والعرب. بدورهم، اندفع يساريّون يميناً محكومين بالهواجس الأمنيّة، حكمتُهم عبارة ألبير كامو الشهيرة إبّان حرب الجزائر: «بين أمّي والعدالة أختار أمّي». إلى ذلك تصدّع معسكر السلام ذو العمود الفقري اليساريّ. نظريّته كانت تقول: بالانسحاب من الأراضي المحتلّة ننهي الحروب. تجربة لبنان في 2000 لم تخدم هذه النظريّة. لقد انسحب الإسرائيليّون، لكنّ مقاومة «حزب الله»، المدعومة إيرانيّاً وسوريّاً، استمرّت.
الطلاق لم يكن بلا خلفيّات مصدرها معاملة إسرائيل لمواطنيها العرب: لا وجود لهم في قيادة «العمل»، ولا في الدولة إبّان سنوات حكمه. وعموماً، إذا كانت أحوالهم أفضل من أحوال العرب في بلدانهم، فهذا لا يلغي أنّها أسوأ من أحوال اليهود الإسرائيليّين.
بالتضامن مع مسألة الهويّة، تنامت رغبة العرب الإسرائيليّين في تمثيل خاصّ بهم، مستقلّ وموحّد. وضعهم في إسرائيل يحضّ على ذلك، وكذلك تكوين إسرائيل الجماعاتيّ، الذي يعكسه انتخابيّاً التمثيل البالغ النسبيّة.
هكذا وبعد تقليد مديد في انخفاض نسب التصويت، ارتفع التصويت العربي لوافد جديد هو «القائمة العربيّة المشتركة» (4 أحزاب). «القائمة» حصدت في الانتخابات الأخيرة 15 مقعداً، هو أعلى رقم تحرزه الأحزاب العربيّة في تاريخها وتاريخ الانتخابات. بين أبريل (نيسان) الماضي ومارس (آذار) الحالي، ارتفع عدد المصوّتين لها من 337 ألفاً إلى 577، كما ارتفعت نسبة التصويت العربي من 49 في المائة إلى 65. أيضاً صوّت للأحزاب العربيّة 30 ألف مقترع يهودي ينتخبون اليسار اليهودي تقليديّاً.
«القائمة المشتركة» ليست مشروع حرب وإرهاب، كما يروّج نتنياهو. إنّها مشروع لتوطيد السلام الأهلي وجعله أشدّ عدلاً وديمومة، عبر مزيد من الاندماج المصحوب بتوسيع قاعدة التأثير في السياسات الحكوميّة.
القبض على هذه الفرصة هو الحدث الذي يخشاه اليوم نتنياهو. إنّه ما يفتح الباب لسياسات أخرى قد تتجاوز الأحزاب والحزبيّات القديمة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وداعاً لليسار الإسرائيلي القديم وداعاً لليسار الإسرائيلي القديم



GMT 07:06 2020 الأربعاء ,01 إبريل / نيسان

الحانوتى!

GMT 07:05 2020 الأربعاء ,01 إبريل / نيسان

صالح «كورونا» العام

GMT 07:03 2020 الأربعاء ,01 إبريل / نيسان

رؤساء العالم معاً ضد كورونا

GMT 07:01 2020 الأربعاء ,01 إبريل / نيسان

السلطويّة والفاشيّة على رأس الاحتمالات... للأسف!

GMT 07:00 2020 الأربعاء ,01 إبريل / نيسان

حمدوك فى القاهرة!

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 18:14 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

محاضرة بتعاوني جنوب حائل السبت

GMT 23:59 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مواهب صغيرة تُشارك في الموسم الثاني لـ "the Voice Kids"

GMT 18:15 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيونسيه تسحر الحضور بـ"ذيل الحصان" وفستان رائع

GMT 22:17 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

جمارك "باب مليلية" تحبط عشر عمليات لتهريب السلع

GMT 02:20 2015 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

أصغر لاجئة في "الزعتري" تجذب أنظار العالم لقسوة معيشته

GMT 01:31 2016 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مريهان حسين تنتظر عرض "السبع بنات" و"الأب الروحي"

GMT 02:54 2016 الخميس ,08 كانون الأول / ديسمبر

مي عمر سعيدة بالتمثيل أمام الزعيم عادل إمام

GMT 18:21 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلة فوز الوداد.. الرياضة ليست منتجة للفرح فقط

GMT 01:10 2016 الأحد ,10 تموز / يوليو

الألم أسفل البطن أشهر علامات التبويض

GMT 12:16 2014 الأربعاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

عروض الأفلام القصيرة والسينمائية تتهاوى على بركان الغلا

GMT 02:30 2017 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أفضل الجزر البريطانية لالتقاط صور تظهر روعة الخريف

GMT 13:57 2016 الأربعاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

"الفتاة في القطار" تتصدر قائمة نيويورك تايمز

GMT 04:56 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار مستحدثة لديكور غرف نوم بدرجات اللون الرمادي
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya