هو والكتب

هو والكتب

المغرب اليوم -

هو والكتب

سمير عطاالله
بقلم - سمير عطاالله

قبل 3 سنوات عرضتُ هنا لكتاب «أنا والكتب» (دار الجمل) للدكتور طريف الخالدي، أستاذ التاريخ الإسلامي في الجامعة الأميركية، وصاحب أحدث الترجمات لمعاني القرآن وأهمها، وفقاً لـ«الغارديان» آنذاك. وقد عُدت إلى الكتاب، قارئاً، مرات عدّة. وكان هدفي، إلى متعة القراءة ومتعة المعرفة، أن أتبين ما هي الآثار التي تسهم في تكوين أستاذ في مثل هذه المرتبة. ويُلاحظ بسهولة، أن عدداً كبيراً من المؤرخين العرب قد حثّهم على شغفهم بالتراث، أساتذة وعلماء من الغرب.
في القراءة الحالية لـ«أنا والكتب» ما يدهش أكثر من غيره، الموضع الذي يضع فيه الخالدي، عثمان بن بحر. إنه عنده أكثر أهمية من جميع أفراد تلك المرتبة؛ ابن خلدون، وابن رشد، وابن قتيبة، ومن شئت أن تسمي. أما لماذا وضع هو أطروحة الدكتوراه في جامعة شيكاغو عن المسعودي، فلأن الجاحظ هو الذي قاده إليه.
بكل بساطة وثقة، يقارن الجاحظ «بالمعلم الأول» أرسطو، ويفضله عليه. ويرى في آفاقه أبعاداً أبعد من «جمهورية أفلاطون»، التي يرى أن الفارابي كان دون مستوى التصدي لها.
يخاطب طريف الخالدي قارئه، كما يخاطب تلامذته، بمسؤولية ومباشرة ورغبة في إيصال روح النص. وفي ضعف الأساتذة أمام علم المقارنات وشواهد المشابهات، ينتقل بك حامل المرارة الفلسطينية من هوميروس والأوديسة إلى دانتي ومتخيلاته، ولئن لم يقم بزيارة اليونان خلف شاعرها ومؤرخيها، فهو لم يستطع مقاومة الرحلة إلى ديار دانتي. يجب أن تطلع على مناخات أولئك الذين تمضي العمر في قراءتهم والكتابة عنهم. ألا يؤكد ابن خلدون أن «الناس بأزمانهم أشبه منهم بآبائهم».
لكن في كل هذا التجوال الأدبي الممتع، يظل الجاحظ هو السارية التي ترفع كل رحلات الكتب.
«لعلنا لا نخطئ إذا سمّينا الجاحظ ميكروكوزم» أي عالَم صغير. فالجاحظ أحدث شرخاً فكرياً عميقاً في الثقافة العربية، بل قد نقول إنه صاغ لها مفاهيم تختلف جذرياً عما جاء من قبل. جال الجاحظ على مختلف العلوم في عصره، وجال أيضاً على معتقدات مجتمعه، فوضعها كلها تحت مجهر العقل والتجربة والبحث، ونقلها من الانبهار بالماضي إلى الانبهار بالمستقبل، وما قد يأتي به العقل من اكتشافات لا تنتهي. وفي هذا الصدد يقول: «لأن الإنسان وإن أضيف إلى الكمال وعرف بالبراعة، وغَمَر العلماء، فإنه لا يكمل أن يحيط علمه بكل ما في جناح بعوضة، أيام الدنيا، ولو استمد بقوة كل نظَّار حكيم، واستعار حفظ كل بحّاث واعٍ وكل نقّاب في البلاد ودرّاسة للكتب». جناح بعوضة؟! غريب حقاً هذا المثل، لكنه يعكس بدقة ذاك المزيج العجائبي من الخيال والعقل عند الجاحظ. ومع أن معظم المتنورين العرب في يومنا هذا يجعلون من ابن رشد مثالهم الأعلى في التعقل، غير أنهم لم يلتفتوا بما يكفي لنورانية الجاحظ الذي أرى في مؤلفاته المختلفة آفاقاً علمية أوسع من آفاق ابن رشد.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هو والكتب هو والكتب



GMT 14:23 2020 الأحد ,05 تموز / يوليو

بعض شعر العرب - ٢

GMT 08:03 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

وعادت الحياة «الجديدة»

GMT 07:58 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

المغامرة الشجاعة لمصطفى الكاظمي

GMT 07:54 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

لى هامش رحلة د. أبوالغار

GMT 07:51 2020 السبت ,04 تموز / يوليو

«28 مليون قطعة سلاح»

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 18:14 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

محاضرة بتعاوني جنوب حائل السبت

GMT 23:59 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مواهب صغيرة تُشارك في الموسم الثاني لـ "the Voice Kids"

GMT 18:15 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيونسيه تسحر الحضور بـ"ذيل الحصان" وفستان رائع

GMT 22:17 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

جمارك "باب مليلية" تحبط عشر عمليات لتهريب السلع

GMT 02:20 2015 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

أصغر لاجئة في "الزعتري" تجذب أنظار العالم لقسوة معيشته

GMT 01:31 2016 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مريهان حسين تنتظر عرض "السبع بنات" و"الأب الروحي"

GMT 02:54 2016 الخميس ,08 كانون الأول / ديسمبر

مي عمر سعيدة بالتمثيل أمام الزعيم عادل إمام

GMT 18:21 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلة فوز الوداد.. الرياضة ليست منتجة للفرح فقط

GMT 01:10 2016 الأحد ,10 تموز / يوليو

الألم أسفل البطن أشهر علامات التبويض

GMT 12:16 2014 الأربعاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

عروض الأفلام القصيرة والسينمائية تتهاوى على بركان الغلا

GMT 02:30 2017 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أفضل الجزر البريطانية لالتقاط صور تظهر روعة الخريف

GMT 13:57 2016 الأربعاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

"الفتاة في القطار" تتصدر قائمة نيويورك تايمز

GMT 04:56 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار مستحدثة لديكور غرف نوم بدرجات اللون الرمادي
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya