بقلم محمد الأشهب
في تسعينات القرن الماضي، خاض الحزبان القويان في المعارضة، الاتحاد الاشتراكي والاستقلال، تجربة جديدة لجهة دخول المنافسات الانتخابية بمرشحين مشتركين للمرة الأولى. اعتبر التحول وقتذاك خطوة بارزة على مستوى مصالحة الحزبين وعودة الوئام إلى فصائل الحركة الوطنية في مواجهة أحزاب دأبت على توصيفها أنها «من صنع الإدارة» في فترة احتقان سياسي واجتماعي استمر طويلاً.
أبعد من ذلك، استهدفت المبادرة تعبيد الطريق أمام انتقال المعارضة إلى دفة الحكومة بعد قطيعة دامت عقوداً عدة. ولئن كان من فضائل التلميحات التي عرضت لاحتمالات تجديد النخب السياسية في التداول السلمي على السلطة، أنها دفعت «الإخوة الأعداء» إلى فتح صفحة جديدة في تعاطيها وبعضها، فإنها كرست الحاجة إلى انفتاح سياسي أكبر، استند في جوهره إلى تأثير نهاية الصراعات الإيديولوجية وتضارب البرامج والتصورات في مجال التدبير السياسي للمرحلة.
لم تذهب التجربة إلى مداها. واحتاج الأمر إلى إدخال تعديل دستوري جوهري لناحية ربط ممارسة السلطة التنفيذية مسؤولياتها بحيازة دعم الغالبية النيابية. واضطر رئيس الوزراء السابق عبدالرحمن اليوسفي إلى الاستعانة بأحزاب من خارج المعارضة لإكمال نصاب الغالبية، بما لا يقل عن سبعة أحزاب، كان من بينها «العدالة والتنمية» الذي اكتفى بدعم حكومة التناوب، من دون المشاركة فيها. حتى إذا بدت الفرصة سانحة، فك ارتباطاته وانتقل إلى ضفة المعارضة التي أهلته بعض مضي عقد وأكثر لأن يتصدر المشهد السياسي في اشتراعيات العام 2011 السابقة لأوانها.
بعد انقضاء المرحلة، التفتت الأحزاب السياسية في الموالاة والمعارضة على السواء، عند التبشير بمزايا التحالفات المسبقة التي قد تصل إلى مسوى تقديم مرشحين مشتركين، على مشارف الاستحقاقات الاشتراعية المقررة في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) المقبل. ولا يمكن بأي حال فصل هذا المسار عن أنواع الأزمات والمماحكات التي عرفتها تجربة حكومة الإسلاميين بقيادة رئيس الحكومة الحالية عبدالإله بن كيران.
خلال الأعوام الأربعة الماضية، شهدت الحكومة أزمات داخلية كادت تهدد بنياتها، انسحب وزراء الاستقلال، وتوالت أطوار خلافات محتدمة بين «العدالة والتنمية» و «تجمع الأحرار» الذي خلف الاستقلاليين إلى السطة التنفيذية. ولا يبدو أن الفترة الفاصلة عن موعد الاستحقاقات الاشتراعية ستكون خالية من هكذا تداعيات. ليس أبعدها أن بعض أوجه التنسيق بين الأحزاب السياسي تقفز على قواعد الانضباط، كما في حالة حزب مشارك في الحكومة وآخر في المعارضة يتحدثان بصوت واحد تقريباً.
بيد أن تعديل قانون الأحزاب والإطار التنظيمي للمؤسسة الاشتراعية، إن كان يعول لاستحداث شبه أقطاب متجانسة حزبياً، فإنه لا يرتقي إلى حد اختيار رئيس الحكومة المقبلة من أي تحالفات حزبية، كون منطوق الدستور يرهن التعيين من الحزب الذي يتصدر الانتخابات الاشتراعية، ولا يقول باختياره من التحالف الحزبي الذي في إمكانه أن يتصدر المشهد الانتخابي. وسيكون على فقهاء القانون الدستوري الحسم في أي اجتهاد سياسي يطرح بهذا الصدد.
لكن التطور البارز في هذا السياق أنه بدل أن ينزع رئيس الحكومة المعين إلى محاورة مجمل الشركاء الذين يلمس لديهم الرغبة والانسجام في تشكيل حكومته، سيكون مضطراً في أقرب فرضية إلى محاورة تحالفات حزبية. ما قد يضع صعوبات حقيقية أمام مهمته في الاختيار. ولم يبد حزبه سياسياً إلى اليوم تحفظات حول هذه الصيغة المقترحة، كونها من الناحية النظرية تضمن بناء غالبية شبه منسجمة ومتضامنة. لكن ما يسري على الأحزاب كافة ينسحب بالضرورة على موقف «العدالة والتنمية» وشركائه المحتملين. فقد بدا مطمئناً في أكثر من مناسبة انتخابية جزئية إلى فوز أحزاب الغالبية الحكومية، في انتظار ما يصدر عن صناديق الاقتراع هذه المرة.
الأهم في غضون ذلك أن ارتضاء المرجعية القانونية والإجرائية والدستورية يشكل قناعة مشتركة، ما لم يغرد أي طرف خارج سرب الانضباط إلى قواعد اللعبة الديموقراطية.