بقلم : عبد الباري عطوان
الاتفاق الذي وقعه ممثلو روسيا وايران وتركيا في مدينة آستانة اليوم، ونص على إقامة مناطق “تخفيف التصعيد” في سورية تنفيذا لخطة قدمها الرئيس فلاديمير بوتين بعد لقائه الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، وتلقيه مكالمة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يمكن ان يشكل “خريطة طريق” حقيقية، وفاعلة، للقضاء على تنظيمي “الدولة الإسلامية” و”هيئة تحرير الشام” او النصرة، وتثبيت وقف اطلاق النار، وإعادة الحياة الى منظومة جنيف للتوصل الى حل سياسي، اذا جرى الالتزام به وتطبيقه حرفيا، ولكن هناك شكوك تحول دون اغراقنا في التفاؤل، بالنظر الى ما حدث لاتفاقات مماثلة.
الدول الثلاث الضامنة للاتفاق وهي روسيا وايران وتركيا، وهي صاحبة القرار على الأرض السورية، لانها تخوض حربا بالنيابة فيما بينها، فروسيا وايران تدعمان الحكومة السورية، وتركيا تدعم الفصائل المسلحة المصنفة معتدلة.
هذا الاتفاق هو تطبيق عملي لاقامة “مناطق آمنة” في اربع مناطق سورية، هي ادلب وريف دمشق ودرعا ومنطقة الرستن في حمص، ولكن لان تعبير “المناطق الآمنة” يثير حساسيات لبعض الأطراف السورية، وخاصة الحكومة في دمشق، وحلفائها الإيرانيين، جرت عملية التفاف لغوي على هذا التعبير، واستبداله بصيغة “مناطق تخفيف التصعيد”، ولكن المعنى واحد، والخلافات طفيفة، في نظر الكثيرين.
***
اهم نقطة في هذه “الوثيقة” في رأينا، النص حرفيا “على الدول الثلاث الضامنة لهذا الاتفاق، مساعدة القوات الحكومية السورية، والمعارضة المسلحة، على قتال تنظيمي داعش والنصرة ومن يتبعهما، وكذلك تشكيل فريق عمل لانشاء المناطق الآمنة في غضون خمسة أيام”.
هذه الفقرة تعني ان تقاتل الفصائل المسلحة “المعتدلة” المشاركة في لقاءات منظومة الآستانة في قتال تنظيمي “الدولة الإسلامية” و”هيئة تحرير الشام”، جنبا الى جنب مع قوات الجيش السوري، وبدعم من ايران وروسيا وتركيا، وهذا انقلاب سياسي وعسكري كبير، وغير مسبوق، في الازمة السورية.
“جيش الإسلام” الذي يتزعمه السيد محمد علوش بدأ في تطبيق هذه الفقرة قبل ان يذهب الى آستانة، عندما خاض معارك دموية ضد “جبهة النصرة” في الغوطة الشرقية طوال الأيام الاخيرة، وهي صدامات دموية أدت الى مقتل حوالي 400 شخص من الجانبين واصابة المئات، وما زالت مستمرة، وفشلت كل الوساطات في وقفها.
الدكتور بشار الجعفري رئيس الوفد السوري المفاوض سارع فورا الى مباركة هذا الاتفاق، لكن وفد المعارضة المسلحة ورئيسه السيد علوش، غاب عن مراسم التوقيع، وانسحب غاضبا من الجلسة الختامية، احتجاجا على وجود ايران بين الدول الضامنة، وتوقيعها الاتفاق، ومشاركتها في القوات التي سترعى التطبيق على الأرض، ولكن هناك أسباب أخرى إضافية، ومهمة، وهي القتال في خندق الجيش السوري، او الى جانبه، ضد جبهة النصرة التي كانت حليفا للكثير من هذه الفصائل أولا، ولعدم وجود مسار سياسي مواز يضمن تطبيق الانتقال السياسي للسلطة.
انها ليست المرة الأولى التي تنسحب فيها وفود المعارضة المسلحة، ولا نعتقد انها ستكون الأخيرة، فقد تلكأت كثيرا في المشاركة في اجتماع “استانة 4″ يوم امس، ولكن تدخل الجنرال هاكان فيدان.. رئيس المخابرات التركية كان كفيلا باعادتها الى غرفة الاجتماعات والمشاركة في المفاوضات.
***
الاتفاق ليس مثاليا، ونتفق مع الرئيس رجب طيب اردوغان الذي وضع تفاصيله اثناء لقائه مع الرئيس بوتين في سوتشي في روسيا، في انه ربما يحقق اكثر من 50 بالمئة من حل الازمة السورية اذا قدر له التطبيق بنجاح والتزام جميع الأطراف ببنوده، لانه سيوفر العودة الآمنة والطوعية لعشرات، وربما مئات الآلاف، من اللاجئين السوريين، والايصال الفوري لمواد الإغاثة والمساعدات الطبية، والاهم من كل ذلك، الوقف الفوري لاطلاق النار وحقن الدماء، وتحسين الظروف الانسانية لملايين السوريين في المناطق الأربع.
فرص نجاح الاتفاق معقولة، لان الخيارات البديلة كارثية، والشعب السوري بات يتطلع الى حقن الدماء والتقاط الانفاس بعد ست سنوات من القتل والتدمير، ولكن يمكن القول في الوقت نفسه، ان احتمالات “التخريب” واردة، فهناك قوى عديدة جرى تهميشها، وعدم إعطاء أي دور لها في هذا الاتفاق، ربما تحاول، ومن خلال رجالها، واموالها، خرق قاع السفينة، ومارست الدور نفسه في اتفاقات سابقة.. والله اعلم