عن العرب المحاصرين بحرب النفط والغاز

عن العرب المحاصرين بحرب النفط والغاز

المغرب اليوم -

عن العرب المحاصرين بحرب النفط والغاز

بقلم : طلال سلمان

فجأة، ومن دون سابق إنذار، وفى أعقاب مؤتمر الرياض الذى جمعت فيه المملكة العربية السعودية أكثر من خمسين دولة إسلامية احتفاء بزيارة الرئيس الأميركى دونالد ترامب الذى خصها بالزيارة الأولى، تفجرت أزمة عنيفة تنذر بحرب مدمرة بين مملكة الذهب والصمت والإمارة المن غاز قطر.

حتى هذه اللحظة لم يعرف المواطن العربى، بغض النظر عن مواقفه أو عواطفه، الأسباب الحقيقية لهذه الأزمة التى شارفت حدود الحرب، سياسيا واقتصاديا وإعلاميا بين السعودية ومعها دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، من جهة، وإمارة قطر من جهة ثانية.

فى حين انحاز عدد من الدول العربية إلى السعودية، بينها لثأر قديم، مثل مصر وحرب الإخوان المسلمين عليها التى اتخذت من قطر وقناة «الجزيرة» فيها منصة الهجوم عليها، وبينها «الدول التابعة» مثل يمن عبدالمنصور هادى وجيبوتى والسودان إلخ.

فإن دولا أخرى مثل العراق المشغول بحربه على «داعش»، وسوريا المشغولة بالحرب فيها وعليها، ولبنان الحريص على علاقاته بدول الخليج جميعا حيث تعمل نسبة كبيرة من أبنائه، قد وقفت على الحياد، بينما تقدمت المغرب لتلعب دور الوساطة، وقد شجعها أن كلا من الطرفين المتخاصمين قد لجأ إلى واشنطن لتكون الحكم.

لقد أفادت الإدارة الأميركية، قبل السياسة وبعدها، بعقد صفقات جديدة مع كل من الرياض والدوحة، بمليارات الدولارات، ثمنا لطائرات مدنية، إضافة إلى صفقات السلاح التى تجاوزت بأرقامها الفلكية كل التقديرات.

المهم أن «الحرب» بين السعودية ومن معها وبين الإمارة المن غاز قطر قد تجاوزت المألوف فى الأزمات الدورية بين «الدول الشقيقة»، من دون أن تقدم للجماهير العربية المبررات أو المسوغات أو الدوافع لشن هذه الحرب المباغتة، علما أن الدول المتحاربة جميعا لا تؤمن بالجماهير وبدورها أو حتى علاقتها بما يقرره أهل الحكم فى أى عاصمة عربية فى شئون بلادهم، فضلا فى ما يتصل بعلاقتهم بالغير، دولًا ومؤسسات وأفرادًا.

من نافلة القول أن جامعة الدول العربية، الميتة من دون إعلان وفاتها رسميًا، لم تكن على السمع، ولو حتى بتصريح طنان الكلمات، مفرغ من المعنى.

أما واشنطن فقد تصرفت وكأنها المرجع الأول والأخير للشئون العربية عامة، وشئون أهل النفط والغاز خاصة. وهكذا فإنها قد استقبلت أو استدعت إليها بعض كبار المسئولين فى الدوحة، وكذلك الوسيط الكويتى الذى كان قد باشر بذل مساعيه الحميدة، فزار الشيخ صباح الأحمد الصباح، رئيس الدولة، كلا من الرياض والدوحة، والتقى المسئولين، ثم أوفد وزيره إلى واشنطن للمتابعة، سعيا إلى الحل المنشود.

أما تركيا، التى لها قاعدة عسكرية فى الدوحة، إلى جانب القاعدة الأمريكية فى العيديد، فقد حاولت لعب دور الوسيط، ولكن انحيازها كان مكشوفًا فلم تنجح، بالرغم من الزيارات التى قام بها أكثر من مسئول فيها إلى العاصمتين العربيتين المتقاطعتين.
***
هذا فى الوقائع المعروفة للصراع الذى تفجر، ذات ليل، بين عاصمة النفط العربى وعاصمة الغاز العربى، وبالطبع فإن ما خفى كان أعظم.
لكن الحقائق التى كشفها هذا الصراع فإنها أمر وأدهى.

 ثبت، أولا، أن عواصم القرار فى الوطن العربى، وهى تحديدًا القاهرة ودمشق وبغداد، قد فقدت موقعها الممتاز، وغابت عن التأثير فى القرار، بل عن القرار ذاته، وانشغلت بهمومها الثقيلة، سواء اتخذت شكل الحروب فيها وعليها، أم أشكال الفقر والعوز والحاجة وضغوطها على القرار وأصحاب القرار.

 ثبت، بالمقابل، أن الدول الغنية بات بإمكانها أن «تشترى» أحيانا، قرار الدول الفقيرة، باستغلال حاجتها إلى «العملة الصعبة» على شكل قروض أو مساعدات أو هبات أو شرهات.

 وثبت كذلك أن واشنطن، وحتى إشعار آخر، هى مركز القرار العربى، مع استثناء يتصل بسوريا والدور الروسى فيها حربا واقتصادا وأسباب معرفة.

 وثبت أن عواصم الغرب مثل برلين وباريس أقل تبعية وولاء لواشنطن من العديد من العواصم العربية.. فقد اعترض بعض المسئولين الألمان والفرنسيين على قرارات التأديب الجائرة التى اتخذتها الرياض ومن معها، ضد الدوحة، وتطوعوا للعب دور الوسيط بين «الأشقاء العرب».

 وثبت أخيرا أن السعودية التى تتصدر موقع الزعامة والقيادة فى الجزيرة والخليج لا تقبل معارضة أو اعتراضًا.. وأن زمن التسويات بالقبل والمآدب قد انتهى مع إطلالة ولى العهد مطلق الصلاحية فى المملكة الأمير محمد بن سلمان معززًا بولى العهد فى دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد.
***
هل نحن أمام عصر عربى جديد تحدد «عروبة» أبنائه بمقدار ثرواتهم؟
هل حلت الثروات التى تتفجر بها الأرض أو البحر محل الهوية القومية، وباتت هى عنوان المصير، ومن لم تنعم عليه الطبيعة بمثلها يطرد من جنتها كالبعير الأجرب؟
هل سقطت العقائد والأفكار والهوية وصارت الثروة هى مصدر الهوية والرباط المقدس بين أبناء الأمة الواحدة الشركاء فى التاريخ والجغرافيا والقضية والحاضر والمستقبل، فضلا عن الماضى؟
هل باتت واشنطن عاصمة القرار العربى، ومعها تل أبيب، بطبيعة الحال، هى المرجع الأول والأخير فى الحرب والسلم، هى الساعى بالصلح بين المختلفين منهم، الموفق بين المتعارضين فى المصالح؟
هل غارت الأرض بالقاهرة؟! وطمس، إلى الأبد، دورها التاريخى فى قيادة العرب وجمعهم، فى السلم والحرب.

هل سقطت بغداد فى قبضة هولاكو إلى الأبد.. وهل نسيها أهلها العرب فتخلوا عنها، فإذا العراق نتف يتوزع أرضه وسماؤه الأمريكيون والأستراليون والفرنسيون والبريطانيون والأتراك، يحرضون الكرد على العرب ويمنونهم بالاستقلال كنزعة معادية لوحدة العراق الذى ارتضى شعبه أن يكون للأكراد استقلالهم الذاتى؟
هل غابت شمس دمشق إلى الأبد، فشطب دورها الحيوى فكريا وسياسيا، واندفاعها ــ حتى من قبل أن يكون عندها جيش محارب ــ ليقاتل شعبها باللحم نصرة لفلسطين وشعبها ضد الاجتياح الإسرائيلى فى العام 1948، ثم شاركت ــ بهذا القدر أو ذاك ــ فى مقاومة العدوان الثلاثى 1956، ثم فى حرب 1967 وأخيرا فى حرب 1973 وواجهت إسرائيل بمفردها، بعد خروج مصر من الميدان؟!
هل حل النفط والغاز محل العروبة وصلات الرحم بين شعوب هذه الأمة.. وهل قضى على فقراء الأمة أن يعملوا كأجراء فى خدمة الأغنياء أهل النفط والغاز، حتى إذا ما اختلف هؤلاء طردوا الفقراء من جنتهم المذهبة إلى بئس المصير؟!
***
لقد كشفت الأزمة التى تفجرت من دون سبب مفهوم بين السعودية (ومن معها) وبين قطر هشاشة الوضع العربى، وتردى العلاقات بين عواصم القرار، أو غياب بعضها فى غياهب الحروب على الذات أو الفقر والجهل والمرض، أو كل ذلك معا.

اندثرت جامعة الدول العربية والمؤسسات المنبثقة عنها، بما ذلك مؤسسات الثقافة والتعليم (اللغة) والاقتصاد.

ولن تعوض الولايات المتحدة الأمريكية، بدونالد ترامب أو من دونه، هذا الغياب، ولا أوروبا بطبيعة الحال.

ولن يحل مشكلة العرب مع أنفسهم الصلح مع إسرائيل، بل هو سيكون بمثابة الضربة القاضية لوجودهم ولقرارهم المستقبل ولحقهم فى غد أفضل يصنعونه بزنودهم وعرق الجباة.

والأزمة الراهنة بين أغنياء النفط والغاز من العرب جرس إنذار لفقرائهم: أن توحدوا وإلا اندثرتم..

وعسى أن تنفع الهزة بين أغنياء النفط والغاز فى إيقاظ فقراء العرب فى مشارق الأرض ومغاربها من موريتانيا إلى اليمن الغارقة فى دمائها بأفضال أشقائها الأغنياء!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن العرب المحاصرين بحرب النفط والغاز عن العرب المحاصرين بحرب النفط والغاز



GMT 08:07 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أخبار مهمة أمام القارئ

GMT 08:04 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الإمارات والأردن.. توافق لأمن المنطقة

GMT 08:01 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أسوأ عقاب أوروبى لأردوغان

GMT 07:59 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لهذا تقود أمريكا العالم!

GMT 07:57 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كسر الحلقة المقفلة في اليمن

تمنحكِ إطلالة عصرية وشبابية في صيف هذا العام

طرق تنسيق "الشابوه الكاجوال" على طريقة رانيا يوسف

القاهرة - نعم ليبيا

GMT 18:25 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

مذيعة "سي إن إن برازيل" تتعرض لسطو مسلح على الهواء
المغرب اليوم - مذيعة

GMT 18:14 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

محاضرة بتعاوني جنوب حائل السبت

GMT 23:59 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مواهب صغيرة تُشارك في الموسم الثاني لـ "the Voice Kids"

GMT 18:15 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيونسيه تسحر الحضور بـ"ذيل الحصان" وفستان رائع

GMT 22:17 2017 الأربعاء ,27 أيلول / سبتمبر

جمارك "باب مليلية" تحبط عشر عمليات لتهريب السلع

GMT 02:20 2015 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

أصغر لاجئة في "الزعتري" تجذب أنظار العالم لقسوة معيشته

GMT 01:31 2016 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مريهان حسين تنتظر عرض "السبع بنات" و"الأب الروحي"

GMT 02:54 2016 الخميس ,08 كانون الأول / ديسمبر

مي عمر سعيدة بالتمثيل أمام الزعيم عادل إمام

GMT 18:21 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلة فوز الوداد.. الرياضة ليست منتجة للفرح فقط

GMT 01:10 2016 الأحد ,10 تموز / يوليو

الألم أسفل البطن أشهر علامات التبويض

GMT 12:16 2014 الأربعاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

عروض الأفلام القصيرة والسينمائية تتهاوى على بركان الغلا

GMT 02:30 2017 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أفضل الجزر البريطانية لالتقاط صور تظهر روعة الخريف

GMT 13:57 2016 الأربعاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

"الفتاة في القطار" تتصدر قائمة نيويورك تايمز

GMT 04:56 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار مستحدثة لديكور غرف نوم بدرجات اللون الرمادي
 
yeslibya

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

albahraintoday albahraintoday albahraintoday albahraintoday
yeslibya yeslibya yeslibya
yeslibya
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya